مرض الزهايمر.. هل يعيد الدواء الجديد القديم الأمل للمصابين؟
“أدوهالم” هو اسم أول دواء من صنع مختبر “بيوغن” ضد “مرض القرن” الزهايمر. تحصل على رخصة التسويق من قبل الولايات المتحدة منذ 2003 كأول دواء يمنع الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذا الداء. لكن بعض العلماء والمختصين في مجال الطب، يرون أن نجاعة هذا الدواء لم تثبت بعد، إثر إعطاء السلطات الصحية الأمريكية الضوء الأخضر لترويجه. ويعلق اليوم أكثر من 30 مليون مصاب بالمرض آمالهم على الاكتشافات الطبية للتغلب عليه.
أعطت السلطات الصحية الأمريكية الاثنين الضوء الأخضر لتسويق دواء جديد يحتمل أن يشفي مرضى الزهايمر تحت اسم “أدوهالم” من إنتاج مختبر “بيوغن”، وفقاً لـ «فرانس24».
وتلقت جمعيات المصابين بهذا المرض الخبر بفرحة كبيرة وبعد انتظار دام تقريبا عشرين سنة، أي منذ تاريخ الكشف عنه في 2003.
لكن الفرحة لم تنتشر في جميع الأوساط العلمية والطبية التي اعتبرت أن السلطات الصحية الأمريكية تسرعت في أخذ مثل هذا القرار.
علاج يهاجم الأسباب المحتملة للمرض
وقالت تارا سبيرس جونس، نائبة مديرة معهد استكشاف العلوم الدماغية بجامعة إيدانبورغ ومديرة مجموعة البحوث في معهد ديمانسيا للأبحاث لفرانس24 “إنه شيء مهم بالنسبة للأسرة العلمية كونه المحلول العلاجي الأول الذي يمنع ظهور الأسباب المؤدية إلى ظهور مرض “التنكس العصبي”.
وجدير بالذكر أن جميع الأدوية المتوفرة حاليا في هذا المجال تساعد فقط على مكافحة الأعراض الناتجة عن الزهايمر، مثل الفقدان التدريجي للذاكرة وصعوبة التكلم أو التفكير. فظهور دواء جديد يشفي المرض بشكل جذري ويقلل من سرعة “التنكس العصبي” يمثل آمالا كبيرة بالنسبة لأكثر من30 مليون من المصابين بالزهايمر عبر العالم.
من ناحيته، أشار فانسون بلانش، متخصص في مرض الزهايمر بجامعة بوردو لفرانس24 أن “النتائج التي تحصلنا عليها بفضل استخدام دواء “أدوهالم” مذهلة من الناحية البيولوجية. فهذا المضاد الحيوي يقوم بتدمير لويحات الأميلويد التي تهاجم الدماغ”.
وأوضحت تارا سبيرس جونس “من الناحية النظرية، تؤثر لويحات الأميلويد على مادة تقع في الدماغ تسمى بـ”البروتينات تو” والتي بدورها تقوم بتدمير الخلايا العصبية”.
وتابع جيل بونفيتو، المختص في الأمراض العصبية التنكيسية في معهد البيولوجيا فرانسوا جاكوب التابع لمفوضية الطاقة الذرية والطاقات المتجددة “ نعمل منذ 15 عاما من أجل القضاء على المضادات الحيوية التي تشجع على ظهور مرض الزهايمر، لكن دون جدوى”، مضيفا “كان يتوجب إيجاد المضاد المناسب والجرعة المناسبة والمرضى المناسبين لذلك، لأن العلاج يمكن أن يخلف آثارا متباينة وفق تطور المرض”.
كما يمكن أيضا للمضادات أن تنتج آثارا جانبية قد تكون خطيرة، كالنزيف الدموي والصدمات الدماغية أو التهاب الدماغ. وكل هذه الآثار وغيرها أدت إلى وقف العديد من التجارب السريرية للأدوية.
نتائج مثيرة للجدل
هذا، وأظهرت التجارب التي خضع إليها دواء “أودلهام” بأنه دواء “آمن”. ما جعل السلطات الصحية الأمريكية تسمح ببيعه في الأسواق، موضحة أن “المزايا المنتظرة منه قد تكون أكبر من المخاطر التي قد يمثلها”.
ورغم الضمانات التي قدمتها السلطات الصحية الأمريكية، إلا أن لجنة المختصين العلميين التي تقدم لها الاستشارة الطبية رفضت منح رخصة التسويق لهذا الدواء، بحجة أن الفوائد التي يجنيها المريض منه لم تثبت لغاية الآن.
وأضاف جيل بونفيتو في هذا الشأن: “المعطيات التي قدمها المختبر (مختبر بيوغن) لا توضح كثيرا ما إذا كان هذا الدواء يساهم في تخفيض وتقليص أعراض مرض الزهايمر”، فيما نوه فانسون بلانش بأن “عملية تطوير هذا الدواء كانت “معقدة”.
وتابع: “التجارب التي استخدمت على الحيوانات كانت إيجابية، ما جعل مختبر “بيوغن” يقوم بنفس التجارب على الإنسان مع فقط تغيير بعض البروتوكولات المكونة لهذا الدواء”.
وقام المختبر بتجربتين في غضون 18 شهرا شملت 4000 مريضا. وقد تم تسليم النتائج إلى مركز مستقل يقوم بتحليل العينات. لكن النتائج التي توصل إليها هذا المركز كانت “قاسية” إذ خلص إلى أن دواء “أودلهام” لا ينفع المرضى”.
لكن مختبر “بيوغن” قام بالإضافة إلى النتائج التي توصل إليها مركز تحليل العينات ببعض المعطيات الجديدة التي استقاها من تجارب سابقة (تمثلت في تقديم جرعة من المضادات للمريض المصاب بالزهايمر)، فتبين أن بعض أعراض المرض تراجعت قليلا.
وهذا هو السبب الذي ربما أقنع السلطات الصحية الأمريكية بإعطاء الضوء الأخضر لبيع دواء “أودلهام” رغم التوصيات المخالفة التي أصدرتها لجنة الخبراء التابعة لنفس السلطات. هذه الأخيرة طالبت أيضا من مختبر “بيوغن” بالقيام بتجارب إكلينيكية إضافية، تاركة الباب مفتوحا أمام قرار منع بيع الدواء في حال تأكدت أن نتائج التجارب سلبية.
اكتشاف طرق أخرى؟
هذا، ويرى بعض المختصين في مجال الطب أن السلطات الصحية الأمريكية، بإعطائها الضوء الأخضر لتسويق دواء “أودلهام” تكون قد أحيت الأمل بالشفاء لدى ملايين المصابين بمرض الزهايمر عبر العالم.
لكن حسب جون هارديغ، وهو أستاذ في مجال علم الأعصاب في جامعة لندن، “فالدواء لن يعود بالنفع إلا على قلة قليلة من المرضى وليس الجميع”.
وأردفت تارا سبيرس جونس: “بيان السلطات الصحية الأمريكية لم يشرح في أية مرحلة من مراحل المرض يمكن أن يكون الدواء فعالا. فيما أضاف فانسون بلانش أن “كل المعطيات تبين أن هذا الدواء يمنح بالدرجة الأولى للمصابين الجدد بالزهايمر “.
وواصلت تارا سبيرس جونس: “ عندما يشعر المصابون بمرض الزهايمر بالأعراض الأولى، فهذا يعني أن الوقت فاتهم والمرض أصبح حقيقة. لذا دواء “أودلهام” يمكن أن يكون صالحا للمرضى الذين لا يعرفون بأنهم مصابون بالزهايمر”.
وفي نهاية المطاف، الحل يمكن أن يأتي من تركيبة علاجية مزدوجة قد تؤثر على لويحات “الكوميلايد” وعلى مواد أخرى، مثل “البروتينات تو” أو الأمراض المتعلقة بالدورة الدموية عند المصابين بالزهايمر.
وأنهت تارا سبيرس جونس بالتعبير عن تمنياتها أن يكون تسويق دواء “أودلهام” بمثابة انطلاقة إيجابية نحو إيجاد علاج أكثر نجاعة، وليست نهاية البحوث الطبية.