أخبار دولية

«العبدية» اليمنية.. كارثة إنسانية عميقة تطال 37 ألف مدني

(كونا) – تشهد مديرية (العبدية) جنوب محافظة (مأرب) اليمنية كارثة انسانية عميقة مع استمرار ميليشيات الحوثي بحصارها المطبق وقصفها بمختلف الاسلحة وسط مطالبات محلية ودولية بالسماح بدخول الغذاء والدواء وفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين والجرحى.

وبرزت أخبار (العبدية) إلى صدارة المشهد اليمني منذ 21 سبتمبر الماضي حين أطبقت ميليشيات الحوثي حصارها عليها لتعزل نحو 37 ألف مواطن عن أي منفذ آمن للمساعدات الانسانية والطبية للمديرية التي أعلنتها منطقة "منكوبة".

ولم يستثن القصف الحوثي الذي وقع الخميس الماضي المستشفى الريفي الوحيد في (العبدية) في ذروة ازدحامه بعشرات الجرحى غالبيتهم مدنيون وفيهم نساء وأطفال وهو الهجوم الذي أدانته منظمة أطباء بلا حدود الدولية مشددة على ضرورة ألا يكون المدنيون والعاملون الطبيون والمستشفيات هدفا على الاطلاق.

وجاء حصار ميليشيات الحوثي مباغتا لمنطقة (العبدية) بعد انطلاقها من مواقعها بمحافظة (البيضاء) المجاورة جنوبا باتجاه محافظة (شبوة) محققة اختراقا خطيرا وخاطفا لمديريات (بيحان) و(عين) و(عسيلان) ومنها إلى مديرية (حريب) التابعة ل(مأرب).

وتمكنت الميليشيات بذلك الاختراق من تطويق كامل لمديرية (العبدية) التي أخفقت في السيطرة عليها منذ عام 2015 وصولا إلى ذروة التصعيد العسكري المستمر منذ مطلع عام 2020 باتجاه محافظة (مأرب) التي تستضيف أكبر تجمع للنازحين على مستوى البلاد وجميعهم تقريبا من الفارين من مناطق سيطرة الحوثيين.

ونفى المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي أمس الأحد في تصريحات صحفية صحة ما أعلنته ميليشيات الحوثي عن سيطرتها على مديرية (العبدية) مبينا أن المعارك ما تزال مستمرة بين كر وفر وسط قتال متواصل مع قوات الجيش والقبائل ضدها.

وتواجه ميليشيات الحوثي مقاومة مستميتة من قبائل (العبدية) وقوات حكومية محدودة تنتشر في ريف المديرية وجبالها في ظل تعتيم إعلامي شبه كلي على الأوضاع هناك مع قطع الحوثيين للاتصالات عنها.

وتقع (العبدية) جنوب غربي مدينة (مأرب) ومنحها موقعها الجغرافي أهمية استراتيجية جعل منها احدى البوابات المؤدية إلى محافظة (مأرب) فضلا عن ارتباطها الجغرافي بمحافظتي (البيضاء) و(شبوة) غربا وجنوبا.

وتسعى ميليشيات الحوثي للسيطرة على (العبدية) لتجاوز حاجز حصين لطالما ظل عائقا أمام طموحها بالتقدم نحو مركز محافظة (مأرب) على بعد نحو 100 كيلومتر.

ومنذ العاشر من اكتوبر الجاري يعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن بشكل يومي عن نتائج عملياته الجوية التي اوقفت اقتحام ميليشيات الحوثي لمديرية (العبدية) المعزولة بريا عن أي امدادات عسكرية أو انسانية مشيرا إلى تنفيذ مئات الغارات الجوية التي استهدفت مواقع وتعزيزات حوثية أوقعت مئات القتلى والجرحى ودمرت عشرات الآليات القتالية.

وأكد التحالف أن قواته تدعم عمليات وإجراءات وزارة الدفاع اليمنية لحماية المدنيين في (العبدية) مبينا أن كافة عملياته العسكرية في اليمن تتوافق مع القانون الدولي والإنساني.

وكان مدير (الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب) سيف مثنى انتقد المنظمات الأممية والهيئات الاغاثية لعدم استجابتها للنداءات التي أطلقت منذ مطلع سبتمبر الماضي لإغاثة (العبدية) ومديريات جنوب (مأرب) التي تتعرض لكارثة إنسانية جراء الحصار والانتهاكات والتصفيات الحوثية مشيرا إلى نزوح ثلاثة الاف أسرة منها في احصائية غير نهائية.

وكثفت الحكومة اليمنية اتصالاتها الدبلوماسية على أعلى المستويات مع مختلف الدول العربية والغربية والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي سعيا لحشد ضغط دولي مؤثر على ميليشيات الحوثي لتخفيف المعاناة الانسانية عن سكان (العبدية) وفتح ممرات آمنة لادخال المساعدات الانسانية والطبية وانقاذ المدنيين والجرحى.

وذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك ناقش أمس الأحد مع المبعوث الأمريكي لبلاده تيم ليندركينج "التصعيد المستمر لميليشيات الحوثي وما ترتكبه من جرائم "إبادة جماعية" ضد المدنيين في (العبدية) وما يمثله ذلك من تهديد لعملية السلام ونسف للجهود الأممية والدولية المبذولة من أجل الحل السياسي".

وفي ذات السياق أجرى وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك سلسلة لقاءات واتصالات مع مسؤولين وسفراء غربيين ومع المبعوث الأممي لبلاده هانس غروندبرغ مؤكدا أن ميليشيات الحوثي ترتكب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" بحق أبناء (العبدية) داعيا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته والتدخل العاجل لإنهاء هذه الجرائم وانقاذ المدنيين.

وكان محافظ (مأرب) اللواء سلطان العرادة أكد السبت الماضي خلال اتصال مرئي مع المبعوث الأمريكي أن أبناء (العبدية) يتعرضون ل"إبادة جماعية" تحت الحصار والقصف من قبل ميليشيات الحوثي بمختلف الأسلحة الثقيلة والدبابات والصواريخ الباليستية دون اكتراث بالمواقف والادانات الدولية مطالبا باتخاذ قرارات جريئة وحازمة وتصنيف الحوثيين "جماعة ارهابية" وملاحقة قياداتها في المحاكم الدولية "كمجرمي حرب".

وأدانت الخارجية الأمريكية أمس الأحد في بيان التصعيد الحوثي حول (مأرب) الذي "يظهر استخفافا صارخا بسلامة المدنيين" مشيرة الى ان الحوثيين يعيقون حركة الأشخاص والمساعدات الإنسانية ويمنعون وصول الخدمات الأساسية إلى 35 ألفا من سكان (العبدية).

ودعت الحوثيين للسماح بالمرور الآمن للمدنيين والمساعدات المنقذة للحياة والجرحى على الفور.

كما أدان المبعوث الأمريكي الحصار الحوثي الكبير على مديرية (العبدية) وتعريض 37 ألف نسمة إلى "الإبادة الجماعية" والاستهداف المتعمد والمتكرر للمدنيين والنازحين في (مأرب) بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وهو ما "يعرض مرتكبيها للمساءلة الدولية لتحقيق العدالة".

وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أعرب الأربعاء الماضي في تصريح صحفي عن قلق خاص إزاء الوضع في (العبدية) مبينا أن القوات الحوثية تطوق المنطقة التي تضم نحو 35 ألف شخص بينهم نازحون من مناطق أخرى منذ نهاية سبتمبر الماضي.

وحث أطراف الصراع على ضمان حماية المدنيين وتوفير ممر آمن للفارين من مناطق الصراع بموجب القانون الدولي الإنساني والقوانين الأخرى.

بدورها أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان مقتضب عن أمنياتها بأن تتمكن من تقديم المساعدات إلى كافة المناطق المتضررة في (مأرب) لكنها شددت على ضرورة توفير الضمانات الأمنية الكافية التي تمكنها من تقديم المساعدة.

يذكر أن تصعيد ميليشيات الحوثي في (العبدية) يأتي في إطار تصعيد عسكري أوسع ومستمر منذ مطلع عام 2020 باتجاه مدينة (مأرب) مركز المحافظة النفطية التي تحمل ذات الاسم في إطار سعيها للسيطرة على المعقل الرئيس للحكومة الشرعية شمالي اليمن.

وبلغ التصعيد الحوثي المكثف ذروته في فبراير الماضي دون أن تحقق تقدما مجديا في ظل مقاومة واسعة من قبل القوات الحكومية والقبائل المسنودة بتحالف دعم الشرعية وسط تحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة في المحافظة التي تستضيف أكثر من مليوني نازح يتوزعون ضمن المجتمع المضيف إضافة إلى 139 مخيما في أطراف المدينة وضواحيها وريفها. 
 

زر الذهاب إلى الأعلى