فوضى تضرب سلاسل التوريد العالمية… والأزمة على وشك أن تزداد سوءا
• نقص الطاقة في الصين أثر على الإنتاج في الأشهر الأخيرة
• نقص العمالة والمواد الخام أدى إلى فوضى للمصنعين والموزعين
(سبوتنيك) – مع تزايد أعداد المطعمين ضد “كوفيد 19” وتسارع وتيرة توزيع اللقاحات المضادة، بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى – وإن كان ذلك بطيئا حتى الآن – من التداعيات السلبية للوباء والقيود المصاحبة له.
ومع ذلك، فإن هذه المرحلة التي تاق إليها المراقبون الاقتصاديون، تسلط الضوء على أزمة أخرى قد تكون مربكة لهذا التعافي وينتج عنها تداعيات سلبية جديدة، ألا وهي “تعطيل سلاسل التوريد العالمية”، حسبما ذكر تقرير لشبكة “سي إن بي سي”.
كيف بدأت الأزمة؟
في البداية، أدى الانتشار السريع للفيروس بداية العام الماضي، إلى فرض إغلاق واسع النطاق للصناعات في جميع أنحاء العالم، وبطبيعة الحال، كان الطلب من المستهلكين ضعيفا والنشاط الصناعي منخفضا في ظل القيود.
لكن مع رفع الإغلاق، زاد الطلب بشدة، وولا تزال سلاسل التوريد التي تعطلت خلال الأزمة الصحية العالمية تواجه تحديات ضخمة وتكافح من أجل التعافي الكامل.
أدى ذلك إلى فوضى بالنسبة لمصنعي وموزعي السلع الذين لا يستطيعون العودة إلى مستويات الإنتاج والتوريد في فترة ما قبل الجائحة لأسباب مختلفة، بما في ذلك نقص العمال ونقص المكونات الأساسية والمواد الخام.
على سبيل المثال، أثر نقص الطاقة في الصين على الإنتاج في الأشهر الأخيرة، وفي المملكة المتحدة، تسبب “بريكست” في نقص حاد في سائقي الشاحنات، وأيضا تكافح الولايات المتحدة وألمانيا نفس المشكلة، فيما تتكدس البضائع في الموائئ الأمريكية ضمن قائمة انتظار طويلة.
الوضع “يزداد سوءا”
يقول المحلل لدى “موديز آناليتكيس” للتحليلات المالية والاقتصادية تيم وي، إن مشاكل سلسلة التوريد “ستزداد سوءا قبل أن تتحسن”.
وقال وي في تقرير للمؤسسة يوم الاثنين الماضي: “مع اكتساب الانتعاش الاقتصادي العالمي المزيد من الزخم، فإن ما يتضح بشكل متزايد هو أنه سيتم إعاقته بسبب اضطرابات سلسلة التوريد التي تظهر الآن في كل زاوية”.
وتابع بالقول: “ضوابط الحدود والقيود على التنقل، وعدم توافر تصريح عالمي للقاح، والطلب المكبوت الناتج عن البقاء في المنزل، كلها تضافرت لتشكل عاصفة كاملة ستعطل الإنتاج العالمي لأن عمليات التسليم لا تتم في الوقت المناسب، وسترتفع التكاليف والأسعار، ونمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم لن يكون قويا نتيجة لذلك”.
وأردف: “من المحتمل أن يلعب العرض دورا في تعزيز الأزمة، خاصة أن هناك اختناقات في كل حلقة من سلسلة التوريد، مثل العمالة وأيضا الحاويات والشحن والموانئ والشاحنات والسكك الحديدية والجو والمستودعات”.
تسببت الاختناقات التي تعاني منها سلسلة التوريد – الازدحام والانسداد في نظام الإنتاج – على قطاعات خدمات وحتى سلع مختلفة، بما في ذلك نقص الإلكترونيات والسيارات ومشاكل في إمدادات اللحوم والأدوية والمنتجات المنزلية.
المواطن العادي يتحمل العبء
في ظل تزايد الطلب على السلع الاستهلاكية الناقصة، ارتفعت أسعار الشحن للبضائع القادمة من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأدى النقص في سائقي الشاحنات في كلتا المنطقتين الأخيرتين إلى تفاقم مشكلة وصول البضائع إلى وجهاتها النهائية.
كما أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بمجرد وصول هذه المنتجات إلى أرفف المتاجر (السعر النهائي للمستهلك). لقد ساعد الوباء فقط في تسليط الضوء على مدى ترابط سلاسل التوريد العالمية وأيضا مدى عدم استقرارها.
في أفضل حالاتها، تعمل سلاسل التوريد العالمية على خفض التكاليف للشركات (وهو بطبيعة الحال ما يستفيد منه المستهلك النهائي)، وذلك نظرا لانخفاض تكاليف العمالة والتشغيل المرتبطة بالشركة المصنعة للمنتجات التي يريدونها، كما يمكن أن تحفز الابتكار والمنافسة.
لكن الوباء سلط الضوء على نقاط الضعف العميقة في هذه الشبكات، حيث تبين أن الاضطراب في جزء واحد من السلسلة يؤثر بشكل واسع النطاق على جميع أجزاء السلسلة بكل مشتملاتها من شركات مصنعة وموردين وموزعين، بما يؤثر في النهاية على المستهلكين والنمو الاقتصادي.
لماذا يتضرر الاقتصاد؟
مع محاولة الاقتصادات الوقوف على قدميها، يتوق المواطنون المرهقون بالقيود الوبائية إلى الإنفاق مرة أخرى، لكنهم يفاجؤون بعدم توافر السلع أو ارتفاع أسعارها، وهنا برزت أزمة سلسلة التوريد كواحدة من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومات الآن.
ومع قرب عيد الميلاد، وتحديدا في الأسبوع الماضي، حذر مسؤولون أمريكيون أن المواطنين قد يواجهون ارتفاعا في الأسعار ورفوفا خاوية في موسم الأعياد القادم، مشيرين إلى محاولة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تخفيف العوائق في الموانئ.
تعاني الصين وأوروبا أيضا من مشاكل النمو على خلفية مشكلات سلسلة التوريد، واليوم الإثنين، أظهرت البيانات الرسمية أن الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الثالث من العام نما بنسبة 4.9% مقارنة بتوقعات بلغت 5.2%، فيما نما النشاط الصناعي في سبتمبر/ أيلول بنسبة 3.1% مقارنة بتوقعات 4.5%، والسبب الأساسي هو “مشكلات سلسلة التوريد”.
أشارت إيريس بانغ، كبيرة الاقتصاديين المتخصصين بالشأن الصيني لدى مصرف “آي إن جي”، اليوم الاثنين إلى أن قطع التصنيع “تضرر بشدة” من جراء اضطرابات سلسلة التوريد، حيث تعطلت بعض عمليات الموانئ في الربع الثالث من عام 2021، واستمرت أزمة نقص الرقائق الإلكترونية.
وقالت إنه “من المتوقع أن تستمر اضطرابات سلسلة التوريد لأن أسعار الشحن لا تزال مرتفعة ولا يزال نقص الرقائق يمثل مشكلة حاسمة بالنسبة للصناعات مثل المعدات والسيارات وأجهزة الاتصالات”.
فيام حذر كبار الاقتصاديين الألمان، الأسبوع الماضي، من أن “اختناقات العرض ستستمر في إلقاء العبء على الإنتاج الصناعي في الوقت الحالي” ومن المرجح أن تعيق النمو في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.