أخبار دولية
بوتين وماكرون يبحثان نزع فتيل التوتر بين الغرب وروسيا
(كونا) – يجري الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي مانويل ماكرون اليوم الاثنين محادثات تركز على بحث سبل تخفيف حدة التوتر بين الغرب وروسيا والنزاع عند منطقة الحدود الروسية – الاوكرانية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف نقلا عن وكالة انباء (انترفاكس) الروسية قوله "إن المباحثات الروسية – الفرنسية ستتناول الهواجس الروسية في مجال الأمن وتقييم موسكو للردود التي حصلت عليها من واشنطن وحلف (ناتو) على مطالبها بخصوص الضمانات الأمنية".
وتأتي زيارة ماكرون لموسكو ومباحثاته في قصر الكرملين بعد ثلاثة اتصالات هاتفية أجراها مع الرئيس الروسي في الاسبوع الاخير وقيام رئيس وزراء هنغاريا فيكتور اوربان التي تدخل بلاده في عضوية حلف شمال الاطلسي (ناتو) بإجراء مباحثات في موسكو تركزت على مناقشة سبل معالجة النزاع في اوكرانيا وتفادي تصاعد حدة التوتر بين روسيا والغرب بخاصة بعد قيام الحكومات الغربية بإرسال مستشارين وقوات عسكرية الى اوروبا الشرقية وتزويد اوكرانيا بأسلحة عصرية.
كما تتزامن زيارة الرئيس الفرنسي لروسيا مع انتهاء الاستعدادات لإجراء مناورات عسكرية روسية – بيلاروسية واسعة النطاق في بيلاروسيا تنطلق بعد ثلاثة أيام وبلورة تحالف روسي – صيني من خلال صدور بيان مشترك يؤكد وقوف بكين إلى جانب روسيا في الاعتراض على تقدم حلف (ناتو) شرقا وتأييد مطالب موسكو بالحصول على ضمانات أمنية ملزمة.
وانعكس الاهتمام بتخفيف حدة التوتر بين الجانبين في الاتصالات الهاتفية التي أجراها مع بوتين كل من المستشارالالماني اولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي قام كذلك بزيارة "تضامن " إلى اوكرانيا.
وكان الرئيس بوتين قد أعلن بوضوح "أن الردود الغربية على الاقتراحات الروسية الخاصة بالأمن لم تراع الهواجس الروسية الأساسية المتمثلة بثلاث مسائل تتمحور حول عدم تقدم هيكلية حلف (ناتو) شرقا بالقرب من الحدود الروسية وعدم نشر أسلحة نووية فتاكة في اوكرانيا وعدم ضمها الى الحلف الغربي وانسحاب الهيكلية العسكرية للحلف الى الحدود التي كانت قائمة في عام 1997 أي عند توقيع ميثاق التعاون بين الحلف الغربي وروسيا".
واوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في السياق ذاته أن الردود الغربية "تضمنت عناصر إيجابية لكنها تعلقت بقضايا ثانوية تتعلق بقضية الحد من الصواريخ قريبة ومتوسطة المدى والامن السيبراني والتعاون في الفضاء ولم تتجاوب مع المطالب الروسية".
وتكمن المعضلة الأساسية في كيفية التوافق بين إصرار الغرب على إبقاء أبواب حلف (ناتو) مفتوحة أمام الدول الراغبة في الانضمام الى الحلف الغربي بما في ذلك اوكرانيا وجورجيا وبين المطالب الروسية بعدم ضم هاتين الدولتين على وجه الخصوص للحلف. ولعل هذا السبب بالذات هو الذي دفع الرئيس الروسي الى توضيح "أن ضم اوكرانيا التي تخطط لاستعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم بالقوة الى حلف (ناتو) سيؤدي آجلا أو عاجلا إلى نشوب نزاع بين روسيا والحلف الذي ينص ميثاقه على التصدي المشترك في حال تورط أي من أعضائه في نزاع مسلح مع دولة خارج الحلف".
ويؤكد الروس أن اعتراضهم على ضم اوكرانيا وغيرها من الدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي السابق ينبع كذلك من الوعود التي قطعها على أنفسهم القادة الغربيون في بداية تسعينيات القرن الماضي بعدم تقدم (ناتو) قيد أنملة نحو الحدود الروسية وضرورة الالتزام الصارم بقرارات منظمة الامن والتعاون في اوروبا التي تدخل واشنطن كذلك في عضويتها بمبدأ الامن الموحد اي عدم جواز الضمان الذاتي لاي دولة على حساب الدول الاخرى.
هذا الموقف بالذات هو الذي دفع الرئيس الفرنسي إلى الإعراب في حديث أدلى به أخيرا إلى صحيفة (دي مانش) عن استعداده "لاجراء حوار معمق مع نظيره الروسي حول بلورة قرارات تاريخية حيال قضايا الامن في القارة الاوروبية".
ويبدو ان ماكرون على اقتناع بأن "ما يشغل بال روسيا حاليا ليس اوكرانيا بل محاولة وضع قواعد للتعايش بين الروس وحلف (ناتو)" بالرغم من تضخيم الاعلام الغربي لقضية الحشود الروسية في منطقة الحدود مع اوكرانيا.
وبالطبع لا يروق لموسكو قيام الدول الغربية بتزويد اوكرانيا بالاسلحة والمستشارين العسكريين وهي تدعو بدلا من ذلك الى ضرورة ان يمارس الغرب وواشنطن على وجه الخصوص الضغوط على القيادة الاوكرانية من اجل اقتناعها بتنفيذ اتفاقية (مينسك) التي وقعتها الاطراف المعنية بالنزاع في شرق اوكرانيا في فبراير عام 2015 والتي تنص أساسا على ضرورة منح اقليمي (لوغانسك) و(دونيتسك) ذات الاغلبية الروسية وضعا خاصا في اطار الدولة الاوكرانية.
هذا المطلب الروسي الذي تتفهمه باريس وبرلين وإلى درجة ما واشنطن بات يصطدم بمعارضة (كييف) التي تقول إن" تطبيقه يعني نهاية للدولة الاوكرانية". ومقابل الاتهامات الغربية لموسكو بأنها حشدت أكثر من 100 ألف جندي استعدادا لاجتياح اوكرانيا يلفت الروس الانتباه الى وجود حشود اوكرانية تزيد على 125 ألف عسكري في منطقة الحدود مع روسيا وعلى خطوط التماس مع الانفصاليين في شرق اوكرانيا.
وتتهم موسكو علنا السلطات الاوكرانية بأنها تخطط بتحريض من الغرب للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد الاقاليم الانفصالية في كل من (لوغانسك) و(دونيتسك) محذرة من أن هذا العمل سيؤدي الى عواقب لا يمكن التكهن بعواقبها.
وعلى ضوء هذه المعطيات يبرز جليا هدف فرنسا الذي عبر عنه المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل اتال بأن "باريس تلعب دورا مركزيا في احتواء النزاع بين روسيا واوكرانيا وتخفيف حدة التوتر هناك". ويلفت المراقبون النظر الى وجود آفاق أمام فرنسا والمانيا للعب دور مهم للحؤول دون تصعيد حدة التوتر في منطقة الحدود الروسية مع اوكرانيا مع توقعات بامكانية نجاح ماكرون في هذا المسعى لا سيما أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تمكن بجهود وساطة في المساعدة على بلورة اتفاقية ساهمت في تسوية النزاع المسلح الذي نشب بين روسيا وجورجيا عام 2008.