محليات

جاسم بودي: ردّ التحية لوليّ العهد

لم يكن خطاب سمو وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد تلاوة تقليديّة لموقف سامٍ يتعلّق بمجريات الأمور في الكويت، ولم يكن مُجرّد تصحيح لوضع انحرافي على الصعيدين الوطني والسياسي بغية الخروج من طريق مسدود بين السلطتين.

كان الخطاب بحقّ عنواناً لمرحلة تأسيسيّة في الكويت تختلف جذرياً عن السابق.

لقد رسّخ سموه في كلمته ثوابت تاريخية اعتبرها مرادفة للوجود نفسه، ناقلاً إياها من المحاكاة السياسية اليومية إلى منزلة أخرى لها حصنها وحصانتها.

ربط بين شرعيّة الحكم والحفاظ على الدستور والديموقراطية، وبين أمانة الحكم والشراكة الشعبيّة، وبين تقدّم الحكم وقوّة العهد الوثيق بين الأسرة والكويتيّين، وبين استمرار الحكم والحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية وتطبيق القانون وتطوّر دولة المؤسسات وقيام تنمية حقيقيّة تضمن الرفاهية والازدهار.

ومن ترسيخ الثوابت إلى الرؤية المستقبلية، فالكويت على خطّ الزلازل الإقليمي، وما لم يرتفع وعي الجميع إلى مستوى القراءة الدقيقة لما يجري من حولنا فقد تفتح ثغرات في الأسوار يتسلّل منها ما قد يضرب التجربة الكويتية في العمق.

ولذلك فالاستقرار أهم الأسلحة، وذخيرته إعادة انتظام عمل السلطات كلّها بل وإعادة الاعتبار للكويتيين للعب دور في الشراكة والرقابة عبر وسائل كثيرة، أهمها صناديق الاقتراع.

وعندما يعلن سمو ولي العهد في سابقة تاريخية أن الحكومة ستنأى بنفسها عن التدخّل في الانتخابات ودعم مُرشّحين بعينهم أو في انتخابات رئاسة المجلس واللجان، فهو ينقل الدفّة أيضاً إلى الكويتيين كشعب لترجمة شراكتهم بمحاسبة مُمثّليهم المُقصّرين من جهة وحسن الاختيار من جهة أخرى باعتبار أن الديموقراطية تطوّر نفسها بالمزيد من المشاركة الشعبية.

وربما لم يأت خطاب سامٍ بذكر «الشعب» و«المواطنين» مرات ومرات كما فعل سمو الشيخ مشعل الأحمد الذي اعتبر الشعب «مرتكز غايتنا الأولى والأخيرة وأنه صاحب الكلمة المسموعة في تقرير مصيره وتحقيق كل ما من شأنه تعزيز مكانته ورفعة شأنه».

وقرّر اللجوء إليه «باعتباره المصير والامتداد والبقاء والوجود ليقوم بنفسه بإعادة تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد بالشكل الذي يُحقّق مصالحه العليا»، مُعلناً «نزولاً عند رغبة الشعب» الحلّ الدستوري لمجلس الأمة لتعزيز «المشاركة الشعبيّة» من دون أيّ تدخّل «في اختيارات الشعب لمُمثّليه».

لن تكتمل «المرحلة التأسيسيّة» أو ما يمكن تسميته «كويت المستقبل» من دون تقدّم المشاركة الشعبيّة الحقيقيّة بوعي أكبر وفهم أعمق لعناوين المرحلة ومُتطلّبات العبور إلى المستقبل.

ولذلك ناشد سمو ولي العهد «أبناء وطننا العزيز ألّا تضيّعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه».

إذاً، المطلوب عدم تضييع فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنيّة، وهذا التصحيح يعني قيام مبادرات جديدة خلّاقة من كل الأطراف لجعل المشاركة في أوسع تجلّياتها، من يردْ ردّ التّحية لوليّ العهد بأحسن منها فعليه ترجمة ذلك بالأفعال لا بالأقوال والانخراط في المرحلة التأسيسيّة لبناء مستقبل أفضل.

لقد كان خطاب ولي العهد تجديدياً بكلّ المقاييس، ما يتطلّب تغيير النمط السياسي الدارج وإنهاء التحصّن خلف مواقف كان لها ربما ما يبرّرها سابقاً من وجهة نظر أصحابها.

ونحن هنا نتحدّث تحديداً عن مقاطعة الانتخابات من قبل أطراف اعترضت قبل سنوات على تغيير نظام التصويت الانتخابي، ورفضت المشاركة في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً.

اليوم نداء المشاركة لملاقاة الخطاب السامي يجب أن يكون أعلى من غيره من أجل شراكة حقيقيّة في المرحلة المقبلة، وبما أن الديموقراطية تُطوّر نفسها بالمزيد من المشاركة الشعبية فليخض الجميع الانتخابات ويقوم المجلس سيد نفسه بتقديم كل المشاريع والتعديلات والإجراءات التصحيحيّة التي تراها غالبية ممثلي الأمة ضرورة.

وهذا الكلام برسم الرموز المعارضة مثل السيدين أحمد السعدون ووليد الجري وغيرهما، فمشاركتهم في الانتخابات تعني شراكتهم في المرحلة التأسيسيّة التي يرى سمو ولي العهد وغالبية من قرأوا خطابه برؤية ورويّة أنها ضرورة لكويت المستقبل… ولا تعني أنهم خالفوا مواقفهم إذ إن لكل مرحلة اعتباراتها وظروفها.

وليّ العهد أطلق التحية، والغالبية المُطلقة من ردود الفعل وعدت بأن تردّ له التحية بمثلها. ألا تستحق الكويت إنهاء المقاطعة ومشاركة الجميع لتطوير النظام و«تصحيح المشهد السياسي» كما تمنّى سموه؟

زر الذهاب إلى الأعلى