مجلس الأمة

مرزوق الغانم: الجنوح للسلام والتصالح يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً وغاية

قال رئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم ان الجنوح للسلام والتصالح يجب أن يكون هدفا (استراتيجيا) وغاية ونهج حياة وطريقة عيش و(ثقافة)، لا هدفا (تكتيكيا) أو ناتجا عن العجز أو كسبا للوقت، مبينا إن الاستثمار في ثقافة السلام ليس ترفا أو لغوا أو لهوا، بل هو خيار استراتيجي وحيد.

وأكد الغانم على ان للبرلمانات والبرلمانيين دور محوري ومفصلي في إشاعة وترسيخ ثقافة السلام، مشددا على أهمية الممارسة البرلمانية الرشيدة التي تدفع باتجاه السلم الأهلي والأمن المجتمعي، حتى وإن كانت على حساب الخسائر الشخصية.

جاء ذلك في كلمة ألقاها الرئيس الغانم اليوم أمام المنتدى العالمي الثاني لثقافة السلام الذي تنظمه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في مالطا تحت عنوان (القيادة من أجل السلام العادل).

وقال الغانم في مستهل كلمته «بداية أجد لزاما علي أن أتوجه برسالة حب وصدق وعرفان إلى العم الكبير عبدالعزيز سعود البابطين، فإن ما تفعله أيها الكريم من نشاطات ثقافية ومنتديات معرفية عالمية، أمر مهم جدا، وثق إننا مسكونون بالعرفان لما تقوم به».

وأضاف الغانم مخاطبا البابطين «أنْ تجمع مثل تلك القامات السياسية والثقافية من مختلف أقطار العالم، وأن تربط تلك النخب الفكرية بقضايا مصيرية عابرة للقارات والأديان والأعراق، أمر ليس بالسهل، وأعرف انه يحتاج الى مثابرة وجهد وطاقة، كتلك التي تملكها ونحسدك عليها، فلك منا جميعا كل الشكر والتقدير».

وذكر الغانم «أسأل الله أن يوفقك فيما تعمل، ويسدد خطاك فيما تمضي، وأن تبقى مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية منارة وشعلة وقدوة».

وقال الغانم مخاطباً رئيس جمهورية مالطا جورج فيلا «الشكر موصول لمالطا الصديقة، رئيسا وشعبا.. وإن رعايتكم وإستضافتكم لهذا المنتدي المهم يا فخامة الرئيس يعكس حرصكم وحرص مالطا على احتضان كل ما من شأنه تجسير الهوات الثقافية بين شعوب الأرض، وترسيخ ثقافة السلام والتعايش».

واوضح الغانم أن مالطا التي تتربع في قلب البحر المتوسط، كانت ومنذ القدم، وبالرغم من صغرها، مسرحا لمن مر بالمنطقة من أمم وحضارات عريقة، من فينيقيين وإغريق ورومان وعرب ونورمان وعشرات الحضارات والثقافات، وكانت بحق شاهدة وتجسيدا حقيقيا للتنوع الثقافي الإنساني.
 
وذكر الغانم «وأنا اقرأ مصطلح (ثقافة السلام)، الذي تسمّى به المنتدى منذ لاهاي 2019، يتبادر الى ذهني سؤال، هل يحتاج السلام الى ثقافة؟ وهل هناك ثقافة للحرب والتصارع بصفتهما نقيضا للسلام؟»، مضيفاً «عن نفسي، سأجيب بنعم».

وأشار الغانم الى أن العنصرية والتمذهب والتمييز والتحزب الضيق والرغبة في التوسع والنزعات الاستعمارية، كلها ثيمات ثقافية، وكلها مواد خام أولية تتغذى بنسق ثقافي ممنهج، وتكون مآلاتها دائما الإحتراب والتصارع والفوبيات المتبادلة.

وأكد الغانم على أن مفهوم السلام مفهوم ثقافي بالدرجة الأولى قبل أن يكون سياسيا، وأن جنوح الانسان الى السلام والتصالح لا يجب أن يكون هدفا (تكتيكيا)، ولا يجب أن يكون ناتجا عن عجزك عن الحرب، أو كسبا للوقت، مبينا أن السلام يجب أن يكون هدفا (استراتيجيا)، وغاية أخيرة، ونهج حياة، وطريقة عيش و(ثقافة).

وبين الغانم «لكي يتحقق ذلك، فإننا مطالبون دائما بتعزيز ثقافة الوحدة الإنسانية المبنية على احترام التنوع، وثقافة التكامل والتعاون، بدلا من ثقافة الاستغلال والاختراق والتفوق العرقي والديني».

وقال الغانم «لأنني في هذا المنتدى أتحدث كوني برلمانيا، الى جانب ثلة من البرلمانيين المرموقين من كافة أقاليم العالم، فسأشدد على حقيقة ان دور البرلمانات والبرلمانيين في إشاعة وترسيخ ثقافة السلام، هو دور محوري ومفصلي».

وأضاف الغانم «لأن البرلمان هو صوت الناس، فالناس بالضرورة تجنح للسلم، فالشعوب مهمومة بلقمة العيش والسكن المحترم والأمن والتعليم والخدمات العامة الجيدة وغيرها من المطالب الإنسانية الطبيعية».

واستطرد الغانم قائلا «أما النخب، وأصحاب النفوذ، والمهووسون بالتوسع والتربح والسيطرة، فهؤلاء هم المستفيدون من الاحترابات، ويكون الناس وقودا لتلك الصراعات، مرة باسم الدين، ومرة باسم الوطن، ومرة باسم العرق، وغيرها».

وذكر الغانم «دور البرلمانات الحقيقي، هو دور تنويري، أو هكذا يجب أن يكون، والخطر كل الخطر، عندما تتحول البرلمانات إلى منتديات لتكريس الشعبوية والغوغائية وتأجيج العواطف والغرائز البدائية وكل أنواع التوحش السياسي».

واوضح الغانم «أقول هذا الكلام، لأن السلام بطبعه أمر يتعلق بالاستثمار بالمستقبل لا اللحظة الراهنة، ولأن السلام طريقة عيش أبدية وليس أمرا طارئا، ولأن بناء السلام – كما قلت في منتدى لاهاي قبل ثلاث سنوات – يحتاج إلى عقلاء كثر، بينما الحرب تحتاج أحيانا الى شخص أحمق واحد،  فهنا تبرز أهمية الممارسة البرلمانية الرشيدة التي تدفع باتجاه السلم الأهلي والأمن المجتمعي، حتى وإن كانت على حساب الخسائر الشخصية».

وأشار الغانم «على المستوى الشخصي، وبعد تجربة برلمانية عمرها 16 عاما، أقول آسفا، إن الكثير من البرلمانيين في كل بقاع العالم الا من رحم ربي، يعملون للانتخابات القادمة وليس للأجيال القادمة، حتى لو كان الطريق إلى الإنتخابات القادمة يتطلب خطابا عصابيا موتورا، ومفرقا لا جامعا، وعاطفيا وانفعاليا لا خطابا عقلانيا وهادئا».

وشدد الغانم على أن السلام يحتاج الى هدوء وحكمة ونضج وتعقل وتروي وتقليب الآراء على أكثر من وجه، ويحتاج الى خطاب التفهم لا التشكيك، وخطاب الوعد لا الوعيد، وخطاب المستقبل بكل ما يتطلبه من بعد نظر ومسؤولية وأمانة.

وبين الغانم أن التحدي أمام كل برلمانيي العالم، هو اتباع الحكمة بدلا من دغدغة العواطف، والتصارح بدلا من التسويف، والعمل للمستقبل بدلا من استنزاف الحاضر بكل ما فيه من عابرية ومؤقتية وزوال، مضيفا «انا أمامي الآن الكثير من القامات البرلمانية وأدرك جيدا انهم يعرفون ماذا أعني بكلامي».

وأكد الغانم على إن الاستثمار في ثقافة السلام ليس ترفا أو لغوا أو لهوا، بل هو خيار استراتيجي وحيد، لان كل البدائل مقلقة ومدمرة وتنذر بالكوارث، اذا لم تكن الآن، فبالتأكيد بعد حين، مبينا «التاريخ يخبرنا أن كل الحروب خاسرة، وكل الصراعات تحمل في طياتها آثار مدمرة، آنية وبعيدة المدى، وان السلام شرط أساسي و وحيد لكل تنمية وتقدم».

وفي ختام كلمته قال الغانم «شكرا مرة أخرى لمؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية على هذه الفرصة التي تجمع من خلالها أسماء ثقيلة الوزن سياسيا وفكريا، والشكر مجددا للعم الفاضل عبد العزيز البابطين الذي يقوم بجهد تنويري مهم وفارق في التعاطي مع قضايا الإنسان الملحة، في وقت يمور فيه العالم بصراعات مكلفة إنسانيا، جلها كان بالإمكان تفاديها وتحاشيها لو اعطي للعقل فرصة، وللحكمة فسحة».

وشهد المنتدى حضور على مستوى رفيع من القيادات السياسية والفكرية العالمية من بينهم رؤساء دول مالطا والبانيا وكوسوفو ورئيس كرواتيا السابق، وعدد من رؤساء البرلمانات في العالم، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، ومسؤولي عدد من المنظمات الدولية والإقليمية كما شهد المنتدى كلمة متلفزة خاصة لسكرتير عام الأمم المتحدة أنتونيو غوتيرس. 

زر الذهاب إلى الأعلى