اقتصاد

بعد منافستها للولايات المتحدة.. هل تفوز قطر بمعركة السيادة على الطاقة العالمية؟

• خبراء غربيون: الدوحة بصدد كسب رهان التحول إلى قوة عالمية في عالم الطاقة بسبب التحول عن الغاز الروسي

منح البحث عن بدائل للموارد الطاقية الروسية في أعقاب الحرب على أوكرانيا دولة قطر دفعة كبيرة في سعيها لتطوير حقل غاز رئيسي وتعزيز نفوذها في تدفقات الطاقة العالمية.

وفي تقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» (Financial Times) البريطانية، يقول الكاتب توم ويلسون إن قطر قامت بترسيخ مكانتها في أسواق السلع العالمية منذ أن بدأت في تصدير الغاز الطبيعي المسال لأول مرة منذ أكثر من عقدين، ولكن في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا وإبرام سلسلة من الصفقات لتطوير حقل غاز جديد، من المتوقع أن يزداد تأثير الدولة الخليجية على تدفقات الطاقة الدولية بشكل أكبر، وفقاً لـ «الجزيرة نت».

أعلنت شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة في الأسابيع الأخيرة عن اتفاقيات مشاريع مشتركة مع خمسٍ من كبرى شركات النفط العالمية لتطوير مشروع ضخم بقيمة 29 مليار دولار يعرف باسم حقل غاز الشمال الشرقي.

يهدف هذا المشروع إلى زيادة إمدادات الطاقة التصديرية السنوية لقطر من 77 مليون طن إلى 110 ملايين طن بحلول عام 2026، مما يساعدها على تجاوز أستراليا كثاني أكبر منتج للغاز بعد الولايات المتحدة.

كانت الصفقات مع شركات “شل” (Shell) البريطانية و”إكسون موبيل” (Exxon Mobil) و”كونوكو فيلبس” (ConocoPhillips) الأميركية و”توتال إنرجي” (Total Energies) الفرنسية و”إيني” (Eni) الإيطالية في طور الإعداد منذ سنوات وليست نتيجة للرغبة في إيجاد إمدادات الطاقة البديلة في أعقاب الحرب الروسية.

مع ذلك، فإن حقيقة أن كبرى شركات الطاقة الغربية كانت حريصة للغاية على الانضمام إلى المشروع دليل على الأهمية المتزايدة لقطر باعتبارها قوة عظمى في مجال الغاز، وصرح كلاوديو ديسالزي، الرئيس التنفيذي لشركة “إيني” قال لصحيفة “فايننشال تايمز” إن “انضمام قطر إلى المنافسة يعد علامة فارقة بالنسبة لنا”.

تعزيز مكانة قطر

اكتشفت قطر حقل الشمال، أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم التي تشترك فيها مع إيران، في الخليج شمال شرق شبه الجزيرة العربية في عام 1971، وسلمت أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان في عام 1996، وبحلول عام 2010، كانت قطر أكبر مزود للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث أنتجت 55 مليون طن في ذلك العام، وفقا لشركة “وود ماكينزي”.

وحسب كارول نخلة، الرئيسة التنفيذية لشركة “كريستول إنرجي” الاستشارية، فإنه بعد التنافس على المركز الأول مع أستراليا والولايات المتحدة لمدة عقد من الزمان، ساعدت الاضطرابات الناجمة عن الحرب الروسية قطر على إعادة تأكيد أهميتها.

واعتبرت أن ارتفاع الطلب على الغاز غير الروسي خلق مشهدا جديدا، فرغم تأثر الوضع التنافسي لقطر بعد ثورة النفط الصخري الأميركية، فهي تمتلك الآن فرصة لاستعادة مكانتها في الساحة الدولية كلاعب مهم في أسواق الغاز وأيضا من خلال تحسين العلاقات مع الغرب.

وكانت قطر تسعى جاهدة منذ التسعينيات لتطوير أول مشروع في حقل الشمال، وقامت بتحويل ثرواتها من الغاز إلى صندوق ثروتها السيادية، مما عزز مكانة البلاد الدولية من خلال إجراء استثمارات بارزة مثل صفقة عام 2011 لشراء نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم.

في الواقع، ستساعد عائدات الغاز في تمويل تكلفة استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 في نوفمبر، وهي المرة الأولى التي تُقام فيها بطولة دولية رائدة لكرة القدم في الشرق الأوسط.

تاريخيا، باعت قطر معظم الغاز الطبيعي المسال الخاص بها إلى المرافق الآسيوية بموجب عقود طويلة الأجل، وأصبحت مورداً موثوقاً، وذلك وفقا لفرانك هاريس، خبير الغاز الطبيعي المسال في شركة “وود ماكينزي”.

وقد يساعد هذا الأمر في تهدئة المخاوف ببعض العواصم الأوروبية بينما تستعد للبحث عن بدائل أخرى للطاقة الروسية، وعلى الرغم من أن حوالي ثلثي صادرات قطر موجهة نحو الدول الآسيوية بموجب عقود طويلة الأجل، فإن قطر حريصة على أن يكون تقسيم العرض لمشروع حقل الشمال الشرقي أكثر توازنا، حيث يتدفق نصف الإنتاج تقريبا إلى أوروبا.

منافسة الولايات المتحدة

وأشار هاريس إلى أن “هناك منافسة طويلة الأمد تدور حاليا بين قطر والولايات المتحدة على السيادة”، وقد أوضح ليو كابوش، محلل في شركة “إنرجي أسبكتس” (Energy Aspects)، أن موقع قطر الجغرافي جعلها أكثر ملاءمة من الولايات المتحدة لتزويد أوروبا وآسيا.

وفي خضم البحث عن بدائل للغاز الروسي، قالت ألمانيا في مايو إنها وقعت اتفاقا مبدئيا للطاقة مع قطر سيكون بمثابة “معبر” لأكبر اقتصاد في أوروبا، رغم استمرار المناقشات بين قطر للطاقة والشركات الألمانية، وبعد أيام، تعهد جهاز قطر للاستثمار باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني في المملكة المتحدة، في إشارة إلى تعزيز العلاقات بين الدوحة ولندن.

ومن بين التحديات التي يواجهها المشترون الأوروبيون أن قطر تفضل تقليديا إبرام العقود طويلة الأجل التي تنص على وجهة تسليم ثابتة، بدلا من العقود المرنة التي يقدمها المنتجون الأميركيون التي تسمح للمشتري بشحن الوقود في أي مكان ويتم تفضيلها عمومًا في أوروبا.

كما يُعتقد أن المشترين الأوروبيين أكثر ترددا في التوقيع على عقود مدتها 25 عاما نظرا لحالة عدم اليقين التي يعيشونها بشأن الدور المستقبلي للغاز، فيما يأمل معظم القادة الوصول إلى مبتغاهم في تحقيق الحياد الكربوني.

وسوف تلعب كل من شركة “إيكسون” و”توتال” و”إيني” والشركاء الدوليين الآخرين دورا حاسما من خلال المساعدة في تسويق الإمدادات الإضافية.

ووفقا لهاريس فإن “حقل الشمال الشرقي يظهر أهمية وجود شركاء، لكن من الواضح جدا أن قطر هي المسيطرة”، مضيفا أنها كانت “تبذل مجهودا كبيرا” أيضا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

تهدف شركة قطر للطاقة إلى خفض الانبعاثات الكربونية في منشآتها للغاز الطبيعي المسال بنسبة 35% بحلول عام 2035 من خلال تقنية احتجاز الكربون لضمان سوق لبيع غازها حتى لو خفض عملاؤها انبعاثاتهم إلى الصفر بحلول عام 2050.

وقال كابوش إن “الانتقال الطاقي سيستغرق بعض الوقت وسيكون الغاز الطبيعي المسال أهم مورد طاقي، وهكذا، فإن الشركات والمستوردين، سواء كانوا في أوروبا أو في آسيا، لديهم حاجة مهمة لإمداد منتظم وموثوق”.

زر الذهاب إلى الأعلى