د.يعقوب الغنيم: أجواء عيد الأضحى المبارك في ماضي الكويت كانت بسيطة وتزدان بشعيرة الأضاحي وترقب عودة الحجاج
(كونا) – قال باحثان في التراث الكويتي إن مظاهر وأجواء عيد الأضحى المبارك في ماضي الكويت كانت بسيطة وتلقائية وتزدان بشعيرة الأضاحي وترقب الأهالي عودة الحجاج من الديار المقدسة بعد أداء مناسك الحج.
وأوضح الباحثان في تصريحين متفرقين لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت أن المظاهر والأجواء الشعبية في العيد كان لها طابع خاص ومتميز إذ كان أهل الكويت يتجهزون لهذه المناسبة قبل قدومها بفترة وتقام حفلات العرضة في كل نهار كما يؤدي الرجال العرضة بالبنادق والسيوف وينشدون القصائد الحماسية.
وبهذا الشأن ذكر الدكتور يعقوب الغنيم ل(كونا) أن مظاهر العيد كانت بسيطة وجميلة وعفوية يفوح منها عبق الأصالة والتراث وكان يسمى الأضحى في تلك الأيام بعيد اللحم وكانت للعيد قديما مراسم يعرفها أهل البلاد ولاتزال حتى يومنا هذا إذ يقوم الكبار والصغار باكرا لأداء صلاة العيد مهللين مكبرين وقد لبسوا أفخر ملابسهم وتجملوا بما عندهم من زينة وبعد الصلاة تذبح الأضاحي.
وأوضح الغنيم أن الفريج (الحي) كان يضم من 15 إلى 20 بيتا يضحي منهم 4 أو 5 بيوت نظرا إلى صعوبة الأحوال المعيشية حينها وغالبا ما كانت الأضاحي تربى منزليا وكانت ربات البيوت يقمن بقلي كبد الخروف وتجهيز طبق شهير يسمى (حمسة الكبدة والكلاوي) ليقدم وقت الضحى مع الخبز.
ولفت إلى أنه خلال أيام العيد تفتح ديوانيات ميسوري الحال أبوابها لاستقبال الجيران والأصدقاء على غداء العيد والذي كان يتكون من العيش واللحم.
وأشار الغنيم إلى أن المؤرخ الشيخ عبدالعزيز الرشيد تحدث عن مراسم العيد سنة 1926 بقوله ان اهالي الكويت يذهبون في اليوم الأول بعد الصلاة إلى قصر سمو الأمير لتهنئته وأفراد أسرة آل صباح الكرام الذين يستقبلون المهنئين بهذه المناسبة لافتا إلى أن هذه العادة لا تزال موجودة الى الآن.
وبين أن الكويتيين كانوا يتبادلون زيارات التهنئة حيث يقوم أهالي جبلة (حي قبلة) بزيارة اخوانهم أهالي حي شرق وأهل الوسط كذلك هو الحال في قرى القصور وقرية الجهراء في مظهر يدل على تلاحم ورقي ومحبة أهل الكويت بعضهم لبعض وكان يتم خلال هذه الزيارات تقديم مشروبات الضيافة كالقهوة والشاي وماء الورد والعود.
وأضاف الغنيم أنه بعد صلاة العيد يتجمع الأطفال بكثرة خارج المسجد وأصواتهم تتعالى فيسمعهم من في الداخل وكانوا يتباهون بملابسهم الجديدة ومظاهر الفرح تعلو وجوههم مشيرا إلى أن إفطار العيد كان يتكون من أصناف عدة من المأكولات الشعبية مثل الكعك والباجيلا (الفول المطبوخ) والنخي (الحمص المسلوق) وخبز الرقاق وبعض الحلويات الشعبية كالدرابيل.
وقال إن الكويتيين كانوا يهتمون بشكل كبير بتحضير الطعام خلال فترة العيد فمنهم من يخصصه لعائلته وأقاربه ومنهم من يفتح أبوابه للفقراء وهذه عادة جميلة تدل على أخلاق وشهامة وكرم أهل الكويت.
وعن عودة الحجاج اوضح الغنيم انه غالبا ماكان تقام مأدبة عشاء للحجاج كافة في بيت صاحب الحملة احتفاء بسلامة العودة وغالبا ما يكون من العيش واللحم.
وذكر أن من أشهر صوغة الحجاج أي الهدايا التي كان يحضرونها معهم (القلادة والتراجي – الحل) وكانت من الخرز للبنات والطواقي الزري للاولاد كما كان هناك نوع من حب القرع الذي كان يتميز بألوان مختلفة وكان يوزع على الكبار كصوغة اضافة للتمر المجفف ونوع من التمر السكري وسجادة صلاة ومسواك.
من جانبه قال الباحث في التراث الشعبي صالح المسباح ل(كونا) إن العادات الاجتماعية والمظاهر الشعبية في عيد الأضحى المبارك كانت في ماضي الكويت تتركز حول الاضاحي وعودة الحجاج من الديار المقدسة وكانت تشمل المناسبة أيضا العديد من المظاهر منها التجمع على غداء العيد واحتفالات العرضة ولبس الملابس الجديدة و(الدوارف) اي المراجيح والألعاب وغيرها.
وأضاف المسباح ان ذبح خروف العيد كان يتم في المنازل وغالبا ما يكون في الحوش (فناء المنزل) أو عند سوره حيث كان رب الاسرة يحرص بعد صلاة العيد او في أي يوم من أيام العيد على دعوة ابنائه لحضور عملية ذبح الخروف المغذى جيدا منذ شرائه قبل عدة أيام.
وأوضح أن الأب كان يقوم عادة بذبح الاضحية بنفسه بمساعدة أبنائه لربطهم بهذه الشعيرة الإسلامية وحثهم على المداومة عليها عندما يكبرون وبعد ان يشهد الجميع عملية الذبح والسلخ يتم تقطيع اللحم لتوزيعه على المحتاجين والفقراء والجيران والاهل والأصدقاء على ان يأخذ المضحي ثلث الاضحية لاسرته ليتم طبخه كله للغداء حرصا على عدم فساد اللحم لعدم وجود تبريد وتجميد في تلك الأيام.
وذكر أنه بالنسبة لأضحية البقرة أو البعير فكانت تتم في المقصب وبالاستعانة بالقصاب (الجزار) المختص ومع التطور العمراني تم نقل المقصب من السوق الى جهة مقابلة لقصر نايف لذبح الابل والبقر ثم انتقل المقصب الى (دروازة المقصب) بجانب دوار الجهراء حاليا.
وبين أن الغداء في عيد الأضحى غالبا ما يكون مختلفا عن غداء عيد الفطر الذي يكون من طبق (المحمر) والسمك بعد صيام رمضان اما غداء الأضحى فيعتمد على طبخ اللحوم الحمراء وتحديدا لحم الاضاحي وبما ان اللحوم تستغرق وقتا أطول للطبخ من الأسماك فعادة يكون موعد غداء عيد الأضحى متأخرا نسبيا مقارنة بغداء عيد الفطر الذي يتم تحضيره في وقت مبكر.
واستعرض المسباح مظاهر اجتماعية وشعبية أخرى لفرحة عيد الأضحى بالقول انها تتشابه مع مظاهر عيد الفطر كأداء فنون العرضة في بعض ساحات (الديرة) والتي تؤديها بعض الفرق الشعبية حيث يحيط بها الأهالي للاستمتاع بعروضها ورقصاتها.
ولفت إلى أن فرحة العيد تستلزم وجود الحلويات سواء تلك التي تحضر في البيت مثل (العصيدة) و(المحلبية) و(قرص العقيلي) وغيرها او التي تشترى من المحال مثل (الملبس) وبعد ازدياد الاستيراد وانتشار البقالات في (فرجان) الضواحي الجديدة وتأسيس الجمعيات التعاونية اصبح الشراء ينصب على الحلويات المستوردة مثل أنواع الشوكولاته و(الحلاو) والبسكويت وغيرها الكثير.
واوضح ان اهم مظاهر الفرح بالنسبة للصغار بالعيد (العيدية) النقدية التي يستلمونها من الكبار مثل الاب والعم والخال وحتى بعض أصدقاء الاسرة حيث كانوا يصرفونها في أوجه عدة مثل شراء الحلويات والسكاكر او في شراء الألعاب حيث تختلف طبيعة اللعبة من الولد للبنت.
وعن عودة الحجاج قال المسباح إن عودتهم كانت تتجاوز فترة عطلة العيد خصوصا حجاج البر مشيرا الى ان اهل الكويت توارثوا من اسلافهم بعض العادات مثل وضع علم فوق البيت قد يكون لونه احمر او اخضر او ابيض كعلامة على ان رب الاسرة في رحلة الحج فاذا اصابهم أي مكروه لاصحاب البيت فان بقية الجيران والاصحاب والاقارب يعرفون بذلك كي يقدموا لهم المساعدة المطلوبة بما يسمى (الفزعة).
وذكر ما يسمى (الحية) بكسر الحاء وهي عبارة عن سلة (زبيل) مصنوعة من الخوص تتم زراعتها بنباتات سريعة النمو كبذور الرشاد او الحلبة او الشعير حيث تقوم البنات الصغيرات بزراعتها عند اقتراب عودة قوافل الحجاج فان كان نمو النبات غير سليم او فسد فكن يعتقدن ان مكروها ما أصاب الحجاج واذا كان الزرع سليما استبشرن خيرا فيحملن السلال وينشدن ويرددن بعض الاهازيج والاناشيد عند البحر.
وأفاد المسباح ان من هذه الأناشيد «يا حيتي يا بيتي حيي لبوي حيي لأمي» (أي حجي عن ابي وامي) ثم يرمين السلة في البحر فاذا استقرت السلة ولم تغرق استبشرن بالخير وقمن بالتهليل وهو نوع من العادات الشعبية الخاصة بالأطفال التي تبعث البهجة في النفوس.
وتحدث عن (البشير) وهو احد الحجاج الذي يسبق القوافل ويصل قبلهم ليبشر الأهالي بسلامة الحجاج واقتراب وصولهم فيقول ان حملة فلان تصل صباح الغد وحملة فلان تصل عند الظهر ويجيب على أسئلة الأهالي عن الحجاج والحملات فيقوم البعض بمكافأته ببعض الملابس مثل (الغترة) او (البشت) وبعض الهدايا أو المال أو الطعام.
وأوضح المسباح ان عودة الحجاج تستغرق أسابيع عدة بعد عيد الأضحى فيصلون مع نهاية شهر ذي الحجة ويقيم الحاج وليمة غداء او عشاء للاقارب والجيران والأصدقاء ابتهاجا بعودته سالما.
وعن ملابس العيد قال المسباح ان الملابس تتمثل «بالنفانيف والبخانق للبنات والاثواب المتيلة المزينة بالورود الكبيرة والتي تسمى ثوب او جبخة للنساء وغيرها».
وبين ان المراة الكويتية كانت تحرص على التزين بالحناء سواء للشعر او بعمل نقش لليدين والقدمين والارجل عن طريق وضع الحنة الحمراء والسومار وهي عبارة عن صبغة سوداء مكونة من (النورة والشناذر) مما يضفي عليها اللون الاحمر الداكن الجميل.
وذكر ان فرحة النساء بالعيد كبيرة حيث «كن يتبادلن الزيارات وتقديم التهاني للأقارب والجيران من النساء ويتزين بالذهب الذي قد يغطي شيئا من الرقبة مثل (البقمة) اي القلادة والمزنط والمرتهش والسبحة والقلب بينما يزين الرأس بالهامة والسلول والتروح والقبقب والظفائر وماشات الذهب او الفركيتات وجلاب الملفع والتراجي للاذن».
واشار الى انهن «يلبسن على الخصر المحزم او الحزام وللارجل ايضا نصيبها من الزينة حيث تلبس فيها الحيول اي الحجول وهي اساور مخصصة لذلك ومنها الخلاخيل للصغار» مضيفا ان الاولاد يرتدون «الدشداشة والقحفية الدقلة والبشت والعقال ويحرصون على وجود ساعة الجيب التي تزين الصدر».
وعن مظاهر استعدادات العيد في الشوارع والساحات قال «تنصب العاب الاطفال من مراجيح وسواها في الاحياء والساحات ومن انواعها الديارف والقلليلبة وام الحصن».
واوضح انها «العاب شعبية يحرص الاطفال على ركوبها واللعب بها باموال العيدية التي حصلوا عليها وسط اصوات من الفرح والغناء تتمثل في اهازيج جميلة ينشدها صاحب اللعبة مع الاطفال وبذلك ينشر جوا حماسيا بينه وبينهم».