أمام دعوة الصدر لانتخابات جديدة.. إلى أين تتجه الأزمة في العراق؟
(أ ف ب) – يواصل الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر الضغط على خصومه السياسيين، ووصل إلى حدّ المطالبة بانتخابات مبكرة، ليزيد من تعقيد المشهد السياسي المتأزم أصلاً في العراق.
هل يعني ذلك أن البلاد سوف تتجه فعلاً نحو انتخابات جديدة؟ أم أن مخرجاً من الأزمة يتمّ التفاوض عليه بين الأطراف المتصادمة كما جرت العادة، ما زال أمراً ممكناً؟
لماذا يطالب مقتدى الصدر بانتخابات جديدة؟
جرت الانتخابات الأخيرة في أكتوبر 2021، وكانت انتخابات مبكرة نظّمت بهدف تهدئة احتجاجات شعبية مناهضة للطبقة السياسية هزّت العراق في خريف العام 2019.
نال التيار الصدري 73 مقعدًا، ليصبح الكتلة الأكبر تمثيلاً في البرلمان الذي يضمّ 329 نائباً. وأراد الصدر، مع حلفائه من السنة والأكراد، تسمية رئيس الحكومة وتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”.
لكن ذلك قوبل بالرفض من قبل خصومه في الإطار التنسيقي الذي يضمّ فصائل موالية لإيران. وكان مطلب الإطار التنسيقي الحفاظ على الحلّ التوافقي التقليدي بين كافة أطراف “البيت الشيعي”، في تشكيل الحكومة.
للضغط على خصومه، دفع الصدر الذي اعتاد على اتخاذ خطوات مفاجئة، نوابه للاستقالة من البرلمان في يونيو الماضي.
حاليًا، يخيّم الآلاف من مناصريه منذ السبت في البرلمان احتجاجاً على اسم مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة. وهو أثبت بذلك أنه لا يزال قادراً على تحريك ورقة الشارع للدفع باتجاه تحقيق مطالبه السياسية.
ويشرح الأستاذ المساعد في جامعة كوبنهاغن فنر الحداد المختص بالشأن العراقي أن الصدر “يتوقّع أن يكون شريكاً رئيسياً في أية حكومة جديدة، وبخلاف ذلك سوف يواصل منع تشكيل حكومة”.
وكذلك “لن يسمح للبرلمان بالاجتماع من دون نوابه”، وفق الحداد.
يسمح الدستور العراقي للبرلمان بأنّ يحلّ نفسه، ففي المادة 64 منه، ينصّ على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه”.
أما الخيار الآخر فهو بطلب “من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”. ويشرح الحداد أنه “من غير الواضح ما إذا كان الخيار الثاني وارداً أصلاً لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال”.
وبدعوته لانتخابات مبكرة، يعتقد الصدر أنه “سيحقق رصيداً كبيراً، أي مقاعد أكثر من السابق”، كما يشرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري لفرانس برس.
خلافات داخل الإطار التنسيقي؟
منذ بداية الأزمة، ينقسم أطراف الإطار التنسيقي الذي يضمّ خصوصاً كتلة الفتح الممثّلة للحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل موالية لإيران باتت منضوية في القوات الرسمية، بشأن الاستراتيجية التي ينبغي عليهم اتباعها تجاه الصدر.
ويتمثّل الجناح الأكثر تشدداً برئيس الوزراء الأسبق والخصم التاريخي للصدر نوري المالكي، وبزعيم عصائب أهل الحقّ، أحد فصائل الحشد الشعبي، قيس الخزعلي. ويدفع هؤلاء نحو المواجهة.
أما المعسكر الآخر فيدفع باتجاه اعتماد “مقاربة بديلة: الإبطاء في عملية تشكيل حكومة ومحاولة تحقيق تقارب داخل البيت الشيعي عبر تقديم حوافز للصدر”، كما يرد في تحليل نشره معهد واشنطن بقلم حمدي مالك ومايكل نايتس.
يرى من جهته إحسان الشمري أن الخزعلي والمالكي سيكونان “كابحاً أمام ذهاب الإطار باتجاه الانتخابات المبكرة”.
ويضيف أن الإطار التنسيقي قد يمانع إجراء انتخابات جديدة، “لكن هذه الممانعة هي لغرض كسب ضمانات… كتغيير على مستوى القانون الانتخابي وعلى مستوى المحكمة الاتحادية وعلى مستوى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أو حتى على مستوى شكل الحكومة”.
يذكّر من جهته المحلل فنر الحداد بأن “السياسة العراقية غالباً ما تصل إلى نقطة اللاعودة قبل أن تقرر الأطراف المعنية حلّ خلافاتها خلف الأبواب المغلقة”.
لا يستبعد الحداد اتفاقاً بين المعسكرين، معتبراً أن تكليف “رئيس وزراء توافقي، لا يزال السيناريو الأكثر إمكانية للتحقق”.
عقبة مهمة أخرى قد تقف أمام حلّ البرلمان، وهي أن “نصف نواب البرلمان هم نواب جدد يدخلون المعترك السياسي لأول مرة ويريدون ممارسة التجربة السياسية والتمتع بمزايا السلطة والحصول على امتيازات كأخذ مكانة اجتماعية”، كما يشرح المحلل السياسي علي البيدر.
مزيد من التصعيد؟
يرى علي البيدر أن الكرة الآن أصبحت في ملعب خصوم الصدر.
ويضيف أنهم إذا لجؤوا إلى خطوة الانتخابات المبكرة فسيكون ذلك دليلًا على رغبتهم بالحوار والنقاش والتفاوض وإذا استمروا بتعنتهم قد يذهب الصدر باتجاه التصعيد، ويدفع بتعطيل المؤسسة التنفيذية في البلاد ويشل الحركة في العاصمة ويعطل الحياة بشكل مطلق”.
ويعتبر المحلل أن اعتصام البرلمان لم يكن سوى “اختبار، أو جرس إنذار للمنظومة السياسية ما لم تلتزم بما يريده الصدر ويسعى إليه”.
وفي بلد ما زال يعيش آثار صدمات عقود من النزاعات وحرب طائفية دامية، حاضرة في الأذهان، فإنّ المخاوف قوية من اندلاع حرب داخلية شيعية مفتوحة.
في الأثناء، يدعو الجميع إلى ضبط النفس لمنع سفك الدماء، على الرغم من أن كل الأطراف السياسية البارزة مسلحة.
مع ذلك، فإن مجال المناورة لدى خصوم الصدر محدود: لأن إيران حليفتهم النافذة، تعارض التصعيد، كما يقول خبراء.
ويرى إحسان الشمري أن طهران “تمنع ذهاب الإطار التنسيقي وبالتحديد الفصائل المسلحة نحو رفع سقف المواجهة باتجاه الصدام”.
وتعتبر إيران أنه ما زال من الممكن إيجاد “حلول سياسية”، وفق الشمري، “لكن إذا ما اندلع القتال فمن الصعب السيطرة على السلاح الذي يمتلكه الطرفان”.