الجفاف والإهمال يهددان أهوار العراق بالزوال
• اتجه العديد من سكان المنطقة الانتقال لمحافظات مجاورة
• تضم الأهوار ثلاثة مواقع أثرية وأربعة مسطحات مائية
(وكالات) – الجفاف يهدد منطقة الأهوار العراقية بالزوال في حال لم تتدخل الحكومة لإنقاذ هذه المساحات المائية المسطحة الواقعة جنوب البلاد على الحدود مع إيران.
فإلى جانب الآثار التي خلفها قرار المقبور صدام حسين بتجفيفها لمواجهة المعارضة المسلحة التي كانت تساندها إيران خلال سنوات الحرب (1980-1988)، المنطقة مهددة بالتغير المناخي، يضاف إلى ذلك هاجس «زوال» المساعدات المالية الضرورية لإعادة الحياة إليها، وفقاً لـ «فرانس24».
ويخشى العراقيون أن تسحب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) هذه المنطقة من لائحة التراث العالمي بسبب غياب سياسة حكومية للاعتناء بها.
وتعد الأهوار من بين المناطق الطبيعية والبيئية الفريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
وحذر مسؤول محلي في جنوب العراق، من “كارثة بيئية، ناتجة عن استمرار انخفاض مناسيب المياه، خصوصا في مناطق الأهوار، التي رجح إعلانها “منطقة منكوبة” قريبا.
وأرجع مدير بيئة محافظة ذي قار، كريم هاني محمد، المشكلة التي تعاني منها الأهوار إلى “تراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، نتيجة قلة الإطلاقات المائية”، وفقاً لـ «الحرة».
وأضاف في تصريح لموقع «الحرة» أن هناك العديد من المساحات «أصبحت جافة تماما، وهناك مسطحات أخرى مرشحة للجفاف، وهو ما سيؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي هذه المناطق».
وكشف محمد أن جفاف الأهوار دفع بالعديد من سكان هذه المناطق إلى «الانتقال لمحافظات مجاورة»، مشيرا إلى أن هؤلاء السكان عادة ما يعتاشون على «صيد الأسماك وتربية الجاموس» اللتين يتطلبان وجود وفرة مائية.
وأبدى مخاوفه من استمرار حالة الجفاف التي ستؤثر على «التنوع البيولوجي» في الأهوار، خاصة في ظل التغييرات المناخية.
والأهوار مستنقعات تتغذى على نهري دجلة والفرات، وهي مناطق خصبة لزراعة الرز وصيد الأسماك، وموطنا لأنواع متعددة من الطيور، وتعتبر محطة راحة لآلاف الطيور البرية المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا. وتعد موطنا للتنوع البيولوجي، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» إلى ضمها لقائمة التراث العالمي في 2016.
الخبير البيئي المتخصص في شؤون الأهوار، جاسم الأسدي قال لموقع «الحرة» إن «المشكلة في هذه المناطق بدأت منذ أعوام، ولكن منذ 2021 تفاقم نقص تدفق المياه إليها».
وأشار الأسدي، وهو مدير منظمة «طبيعة العراق»، إلى انخفاض «مناسيب المياه في أهوار ذي قار التي كانت معدلاتها تقترب من مترين خلال عام 2019، إلى أقل من 70 سم في وقتنا الحالي».
وذكر أن السبب الأساسي لهذه المشكلة «خفض إيران وتركيا الحصص المائية في نهري دجلة والفرات، ناهيك عن عدم وجود عدالة في تخصيصات المياه داخل العراق، وزيادة التلوث بإطلاق مياه الصرف الصحي، وارتفاع ملوحة المياه في الأهوار لمستويات عالية».
وتلقى 70 في المئة من نفايات العراق الصناعية مباشرة في الأنهار أو في البحر، وفقا لبيانات جمعتها الأمم المتحدة وأكاديميون، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.
ويقدر الأسدي المساحات المغمورة بالمياه حاليا بنحو 25 في المئة من المساحة الكلية للأهوار.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعاني فيها الأهوار من الجفاف، إذ أقام صدام حسين الذي اتهم سكان الأهوار بالخيانة خلال الحرب مع إيران بين عامي 1980 و1988 عددا من السدود وقام بتجفيف المنطقة في التسعينيات لإخراج المتمردين الذين كانوا يختبئون وسط النباتات التي تنمو بالقرب من مياهها، بحسب تقرير سابق لوكالة رويترز.
وبعد سقوط نظام صدام في 2003 قام سكان بتدمير الكثير من السدود للسماح باندفاع المياه مرة أخرى وساهمت منظمات بيئية خارجية في بث الحياة مرة أخرى في الأهوار.
وتعني الأهوار «الأراضي المنخفضة التي تغطيها المياه سواء في جميع أيام السنة أو في بعضها، ولا يوجد فرق واضح بينها وبين المستقنعات»، فيما يطلق سكان العراق تسمية الأهوار «على البرك أو المناطق المنخفضة التي تملؤها مياه ضحلة جنوبي البلاد. وينمو في الأهوار نباتات القصب والبردي وغيرها من النباتات، بحسب دراسة نشرتها مجلة البحوث الجغرافية، أعدها إياد الشمري من جامعة ميسان.
وأرجعت الدراسة نشأة الأهوار في العراق إلى ملايين السنوات حيث أثرت حركات «تكتونية» على هبوط مناطق وسط وجنوب العراق لتشكل ما يشبه «التواء مقعرا» في الأرض، تتجمع فيه المياه من دجلة والفرات.
وكشفت الدراسة أن مساحة الأهوار تشكل حوالي 2-3 في المئة من المساحة الكلية للعراق، إذ أنها تنكمش لنحو 3000 كلم مربع في سنوات الجفاف، وتصل إلى مساحة 13 ألف كلم مربع في السنوات غير الجافة، فيما يقدر متوسط مساحتها الدائمة بما يناهز 8 آلاف كلم مربع، والتي تنتشر على محافظات: البصرة، وميسان وذي قار.
وكانت منطقة الأهوار تغطي تسعة آلاف كلم مربع في السبعينيات لكنها تقلصت إلى 760 كلم مربع بحلول عام 2002 ثم استعادت نحو 40 في المئة من المنطقة الأصلية بحلول عام 2005، بحسب رويترز.
وحول الجهود الحكومية لمعالجة مشكلة جفاف الأهوار، قال مدير بيئة ذي قار إن “تقارير ترصد الواقع البيئي للأهوار، رفعت إلى وزارة البيئة، وعقدت اجتماعات طارئة، أوصت بإعلان الأهوار كمناطق منكوبة، بسبب تدهور المشاكل البيئية والاجتماعية”.
ويشرح الخبير الأسدي أن “إعلان هذه المناطق منكوبة، يعني زيادة التخصيصات المالية لها، ومساعدة السكان في ظروفهم الاقتصادية الصعبة، خاصة الذين يعتاشون على صيد السمك وتربية الجاموس، وتوفير مناطق لإيواء السكان”.
ولفت أن سكان الأهوار فقدوا حوالي “25 في المئة من قطعانهم من الجاموس، ناهيك عن فقدان حوالي 80 في المئة من الأسماك”.
ويعيش عرب الأهوار في هذه المسطحات منذ آلاف السنين، وقدرت دراسة عددهم بنحو 400 ألف في الخمسينيات لكن فر مئات آلالاف منهم بسبب لأسباب سياسية أو اقتصادية.
ووفق الموقع الإلكتروني لليونسكو تضم الأهوار ثلاثة مواقع أثرية، وأربعة مسطحات مائية، حيث “تعد مدينتا أوروك وأور الأثريتين إضافة إلى الموقع الأثري في مدينة إريدو جزء من آثار المدن والمباني السومرية التي أنشئت في بلاد ما بين النهرين بين الألفيتين الرابعة والثالثة قبل الميلاد على ضفاف نهري دجلة والفرات”.
وأكد محمد أن حل المشكلة البيئة للأهوار يحتاج “لزيادة الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات، بما يعزز مستويات المياه في هذه المسطحات”.
ودعا الأسدي إلى تكوين “خلية طوارئ” لإدارة ملف الجفاف، وإعادة النظر في السياسة والتخصيصات المائية، وإجراء تغييرات على أرض الواقع في الأهوار بإنشاء ممرات مائية لمربي الجواميس.
وقال مدير إنعاش الأهوار في ذي قار، عدنان الموسوي لوكالة “واع” إن هناك “ إجراءات عاجلة من وزارة الموارد المائية التي ننضوي فيها لتأمين مياه الشرب وضمان استقرار السكان”.
وحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019 من أن “التغير المناخي من المتوقع أن يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق، مما سيؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة ندرة المياه”.
ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويا، مضيفا أنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى 1750 مترا مكعبا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلا عن تهديد صحة سكانها البالغ عددهم 40 مليون نسمة.