رياضة

كأس العالم FIFA قطر 2022 .. أشرف حكيمي.. الابن البار للبائع المتجول وعاملة النظافة يصنع المجد

(قنا) – لا عجب أن ترى النجم العالمي «أشرف حكيمي» يهرول نحو أمه بعد كل نجاح للمنتخب المغربي في كأس العالم FIFA قطر 2022 ليقبّل رأسها ويديها وحتى قدميها إن احتاج الأمر، فالمسألة ليست مجرد الفطرة نحو امرأة حملته في بطنها تسع حجج وكابدت عند وضعه ما يذهب المهج، بل لإدراك الرجل أنها حفرت الصخر بأظافرها حتى يُصبح هذا النجم العالمي الذي يُشار إليه بالبنان وأحد أفضل الأظهرة في العالم بمسيرة رائعة خطّها في كبرى الأندية الأوروبية بدءاً من ريال مدريد وصولاً إلى باريس سان جيرمان الفرنسي.

فتلك المرأة عملت في المنازل كي تساعد زوجها البائع المتجول على تأمين أبسط مُتطلبات الحياة لأسرة قضى قدرها أن تغادر وطنها نحو مهجر إسباني بحثاً عن لقمة العيش، فقصدت مدريد مع طفلين نبيل ووداد  شقيق وشقيقة أشرف الذي ولد بعد الوصول إلى ختافي وتحديداً يوم 4 نوفمبر 1998، فكابد الأبوان وعانيا الأمرين حتى سارا بتلك العائلة العفيفة إلى تسنّم القمم بعدما قدّما بتضحياتها الكبيرة خدمة جليلة لكرة القدم المغربية والعربية والعالمية، ورعيا موهبة تم صقلها حتى ظهر هذا النجم ذو الطراز الفريد.

المثال الذي سطّرته تلك المرأة الصبورة رفقة الرجل المكابد للمشقّات في بداية المشوار، بات يُحتذى، خصوصاً وأنهما حافظا على ذات تقاليد الأسرة المغربية المنتمية لأصولها حتى بعد الهجرة إلى إسبانيا، ليرث أشرف الانتماء، وجسّده واقعاً عندما أصر الطفل الذي أضحى مشروع نجم عالمي عندما بات شاباً يافعاً، على اللعب للمنتخب المغربي، رافضاً مُغريات الانضمام للمنتخب الإسباني، حتى جاء اليوم الذي شرّف فيه مع رفاقه من أسود الأطلس، الشعب المغربي والشعوب العربية بتحقيق ما أشبه بمعجزة كتبت تاريخاً جديداً للمشاركات في كأس العالم بعد الوصول إلى ربع نهائي مونديال قطر، فأضحى المنتخب المغربي واحداً من أفضل 8 منتخبات في العالم، وما زال في فصول القصة ما قد يُروى.

قمّة الوفاء كانت عندما روى أشرف نفسه قصة كفاح أبيه وأمه دون خجل أو توريه لما تكبّداه من ضنك وعوز، معتبراً خلال لقاء تلفزيوني إبان كان لاعباً في بروسيا دروتموند الألماني، أن ما بات عليه الآن من نجم عالمي، ما هو إلا نتائج تضحياتهما.

تقول تفاصيل قصة مسيرة أشرف، أنه بدأ اللعب في الشوارع، ليلفت أنظار ناد محلي مُتواضع هو كولينا اوفيغفي بعمر الثماني سنوات، قبل أن يرصده الكشّافون وينقلونه إلى فئات ريال مدريد ليجري اختبارات نجح فيها وبات لاعباً في أكاديمية الريال، وللصدفة كان أشرف مهاجماً يقلّد كريم بنزيمة وغونزالو هيغواين، قبل أن يتحوّل إلى ظهير أيمن، فتحول إلى تقليد البرازيلي مارسيليو الذي صار قدوته بعد ذلك.

لعب أشرف في فريق الشباب بالريال قبل أن ينتقل إلى الفريق الرديف كاستيا ليجد الفرصة في الالتحاق بالفريق الاحتياطي للريال، حيث تم ضمه إلى معسكر الفريق الأول للموسم الجديد في الولايات المتحدة، ولعب أول مباراة له يوم 29 يوليو 2016 في اختبار وديّ ضد باريس سان جيرمان، قبل أن يعود بعد ذلك إلى الرديف، ليسجّل الظهور الرسمي الأول مع كاستيا في 20 أغسطس 2016 أمام ريال سوسيداد.

وكان لأسطورة الريال والمدرب السابق زين الدين زيدان دور في الظهور الرسمي الأول لأشرف في الدوري الإسباني عندما أشركه أساسياً أمام إسبانيول في 1 أكتوبر 2017، وفي ديسمبر من العام نفسه أصبح أشرف أول لاعب عربي يُسجّل بقميص ريال مدريد في مباراة الفوز 5 / صفر على إشبيلية، ليحقق بعد ذلك مع الريال لقب دوري الأبطال ثم السوبر الأوروبي والسوبر الإسباني وكأس العالم للأندية.

وجاءت اللحظة الفارقة في حياة أشرف بعدما استُدعي للمنتخب المغربي ليحقق حلم العائلة المغربية العربية المُسلمة، ويدون أول مشاركة دولية في 11 أكتوبر، أمام كندا، ثم سجّل هدفه الدولي الأول في 1 سبتمبر 2017، في مرمى مالي، ثم شارك في كأس العالم 2018 في روسيا وظهر في المباريات الثلاث لأسود الأطلس وقدّم مستوى راقياً لفت أنظار الأندية الأوروبية، ليتلقى عرضاً من بروسيا دورتموند الألماني، لكن الريال أصرّ على أن تكون الصفقة عبارة عن إعارة مع أحقية الشراء.

وفي دورتموند قدّم أشرف نفسه بطريقة رائعة وساهم في صناعة 3 أهداف في مباراة واحدة لأول مرة في مسيرته بأداء مذهل ضد أتلتيكو مدريد في أول ظهور له في دوري أبطال أوروبا مع الفريق الألماني، وسجّل ثنائية ضد سلافيا براغ مدوناً أول أهدافه في البطولة الأوروبية، لكن الأهم كانت تلك الثنائية الأخرى في مرمى الإنتر الإيطالي ليقلب تأخر بروسيا إلى فوز، وهو الأمر الذي ربما كان من بين أسباب خطب الإنتر ود النجم المغربي الذي انتقل بالفعل إلى الدوري الإيطالي يوليو 2020 بعقد مدته خمس سنوات، وصفقة قدّرت بحوالي 40 مليون يورو إلى جانب 5 ملايين أخرى كإضافات، ليساهم بفوز الإنتر بلقب الدوري الإيطالي الذي غاب عن النادي سنوات طويلة.

وبعد الظهور الرائع مع الإنتر انتقل أشرف إلى صفوف نادي باريس سان جيرمان ضمن سلسة تعاقدات كبيرة كان من ضمنها الأسطورة الأرجنتينية ميسي وقائد الريال السابق راموس والحارس الإيطالي دوناروما، حيث وقّع حكيمي عقداً يمتد إلى عام 2026 بصفقة قدّرت بأكثر من 60 مليون يورو .

قصة أشرف حكيمي تستحق أن تُدرّس، كما هي الكثير من قصص النجاح التي عادة ما تولد من رحم المُعاناة، ويبقى أجمل فصولها هو ذاك الوفاء الذي يجسّده لتضحيات والديه مع تسنم القمم والوصول إلى أعلى المراتب خصوصاً بعد الإنجاز الأخير بقيادة أسود الأطلس إلى مجد تاريخي بالعبور إلى ربع النهائي وعلى حساب منتخب إسباني جاء للمونديال مرشحاً فوق العادة للظفر باللقب، على أمل أن يتحوّل الأمر إلى ما هو أشبه بالإعجاز لو وصل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي على حساب البرتغال في الموعد المحدّد بين المنتخبين السبت المقبل. 

زر الذهاب إلى الأعلى