أخبار دولية

العراق.. السيستاني نزع فتيل كارثة كادت أن تشعل حرباً في العراق

• عراقيون ألقوا باللوم على طهران في تأجيج العنف

لم يصدر عن السيستاني تعليق علني بخصوص الاضطرابات التي اندلعت في شوارع العراق أخيرا، لكن مسؤولين حكوميين ومصادر شيعية مطلعة يقولون إن موقف السيستاني من وراء الكواليس هو وحده الذي نزع فتيل الكارثة التي كادت تتسع الأسبوع الماضي.

كاد إعلان رجل الدين الشيعي العراقي كاظم الحائري الموجود في إيران يدفع العراق إلى شفا حرب دامية الأسبوع الماضي، ولم يكن يملك القدرة على منع ذلك سوى المرجع الشيعي العراقي الأعلى علي السيستاني (92 عاما)، وفقاً لـ «الجزيرة نت».

ولم يصدر عن السيستاني تعليق علني بخصوص الاضطرابات التي اندلعت في شوارع العراق أخيرا، لكن مسؤولين حكوميين ومصادر شيعية مطلعة يقولون إن موقف السيستاني من وراء الكواليس هو وحده الذي نزع فتيل الكارثة التي كادت تتسع الأسبوع الماضي.

وألقى العراقيون الذين نزلوا إلى الشوارع باللوم على طهران في تأجيج العنف الذي بدأ بعد أن ندّد الحائري (المقيم في إيران) بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأصدر تعليمات لأتباعه، بمن فيهم الصدر نفسه، بإطاعة أمر الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي.

وإثر تدخل الحائري، أعلن الصدر اعتزاله السياسة وبعدئذ قام أنصار التيار الصدري المعتصمون بمحيط البرلمان العراقي في بغداد باقتحام المباني الحكومية بما فيها قصر الرئاسة في المنطقة الخضراء، وبحلول الليل كانوا يجولون في أنحاء بغداد في شاحنات صغيرة ملوحين بالرشاشات وقاذفات الصواريخ.

ثم أطلق مسلحون النار على المتظاهرين الصدريين الذين كانوا يرشقون الحجارة، وقُتل ما لا يقل عن 30 شخصا وأصيب المئات.

وبعد ذلك، وفي غضون 24 ساعة، انتهى الأمر فجأة كما بدأ، وظهر الصدر في التلفزيون ودعا إلى الهدوء، وبدأ أنصاره المسلحون وغير المسلحين يغادرون الشوارع، ورفع الجيش العراقي حظر التجول، وخيّم هدوء هش على العاصمة.

ولا يوجد خليفة واضح للسيستاني الذي تدخل بحسم في لحظات حرجة في تاريخ العراق منذ الغزو الأميركي الذي أطاح بصدام حسين، ولا يُعرف كثير عن حالته الصحية رغم تقدمه في العمر.

 

وراء الكواليس

وسعيا لفهم كيف اندلعت الاضطرابات وكيف أُخمدت، تحدثت رويترز مع ما يقرب من 20 مسؤولا من الحكومة العراقية والتيار الصدري وفصائل شيعية منافسة يُنظر إليها على أنها موالية لإيران؛ تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

وأشارت جميع المقابلات إلى تدخل حاسم من وراء الكواليس من جانب السيستاني الذي يعدّ أكثر رجال الدين نفوذا في النجف، المركز الديني الشيعي بالعراق.

ووفقا للمسؤولين، فقد سعى مكتب السيستاني إلى أن يوضح للصدر أنه ما لم يوقف عنف أتباعه، فإن السيستاني سوف يندد بالاضطرابات.

وقال مسؤول بالحكومة العراقية «بعث السيستاني برسالة إلى الصدر مفادها أنه إذا لم يوقف العنف، فسيضطر السيستاني إلى إصدار بيان يدعو إلى وقف القتال، وهذا من شأنه أن يجعل الصدر يبدو ضعيفا، وكأنه قد تسبّب في إراقة الدماء بالعراق».

ولم تؤكد 3 شخصيات شيعية مقرها النجف ومقربة من السيستاني أن مكتبه بعث برسالة صريحة إلى الصدر، لكنهم قالوا إنه كان من الواضح للصدر أن السيستاني سيتحدث قريبا ما لم يوقف الصدر الاضطرابات.

وقال مسؤول موال لإيران في المنطقة إنه لولا مكتب السيستاني «لما عقد مقتدى الصدر مؤتمره الصحفي» الذي أوقف القتال.

واندلعت أعمال العنف في العراق الأسبوع الماضي بعد أن أعلن الحائري اعتزال الحياة العامة، وإغلاق مكتبه بسبب تقدمه في السن. وهذه خطوة غير مسبوقة فعليا في تاريخ الشيعة، حيث يُبجّل كبار رجال الدين عادة حتى بعد وفاتهم.

وكان محمد محمد صادق الصدر (والد الصدر)، وهو أيضا مرجع شيعي بارز قتل عام 1999 في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قد اختار الحائري مرشدا روحيا لتيار الصدر من بعده.

وفي إعلان الحائري اعتزال الحياة العامة، ندّد بالصدر لتسبّبه في انقسامات بين  الشيعة، ودعا أتباعه إلى إطاعة أمر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

وأوضح الصدر علنا أنه يلقي باللوم في تدخل الحائري على أطراف خارجية، في إشارة ضمنية إلى طهران. وقال على تويتر «…اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته».

وقال عضو بارز في التيار الصدري مقره بغداد إن الصدر غاضب، وأضاف «الحائري كان المرشد الروحي للصدر، اعتبر الصدر ذلك خيانة تهدف إلى سلب شرعيته الدينية كزعيم شيعي، في وقت يصارع فيه الجماعات المدعومة من إيران على السلطة».

وقال مسؤولون في التيار الصدري في النجف إن هذه الخطوة تعني أنه كان على الصدر الاختيار بين طاعة مرشده الروحي الحائري، واتباع خامنئي، أو رفضه وربما إغضاب شخصيات أكبر سنا في حركته كانت مقربة من والد الصدر. وبدلا من ذلك، أعلن الصدر انسحابه من الحياة السياسية تماما، في خطوة دفعت أتباعه إلى النزول إلى الشارع.

ويقول خبراء في الشأن الشيعي إن تحرك الحائري لإغلاق مكتبه وتوجيه أتباعه لإطاعة الزعيم الإيراني كان سيبدو مريبا على أي حال في السياق العراقي، حيث التلميحات إلى التدخل الإيراني شديدة الوضوح.

وقالت مارسين الشمري الباحثة في كلية كنيدي بجامعة هارفارد «هناك سبب قوي للاعتقاد بأن هذا نتيجة للضغط الإيراني، لكن ينبغي ألا ننسى أن الحائري كانت لديه أيضا خلافات مع الصدر في الماضي».

وأضافت أنه «يوجّه أتباعه إلى اتباع خامنئي في وقت لا توجد فيه ضرورة (دينية) للقيام بذلك، كما يبدو من المستبعد أن يغلق شخص في مكانته مكاتبه التي ربما تكون مربحة للغاية».

ومع احتدام المعارك المسلحة في وسط بغداد، التزم الصدر الصمت قرابة 24 ساعة.

وفي ذلك الوقت، حاولت شخصيات دينية شيعية من جميع أنحاء العراق إقناع الصدر بوقف العنف، وقال مسؤولون في إيران ولبنان إن شخصيات شيعية في البلدين انضمت إلى تلك الجهود، وأضافوا أن الضغوط وُجّهت إلى الصدر عبر مكتب السيستاني في النجف.

وقال مسؤول بالحكومة العراقية «الإيرانيون لا يتدخلون بشكل مباشر، إنهم متأثرون برد الفعل القوي المناهض لنفوذهم في العراق ويحاولون التأثير على الأحداث من بعيد».

ويصرّ الصدر على إجراء انتخابات جديدة، في حين تريد بعض الجماعات المدعومة من إيران المضي قدما لتشكيل حكومة. والتزمت الحكومة الصمت إلى حد بعيد، وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الثلاثاء الماضي إنه سيتنحى إذا استمر العنف، وذلك في بيان صدر بعد ساعات من توقف القتال بالفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى