منوعات

«المخدرات الرقمية».. صرعة حديثة بعالم المخدرات

 (كونا) – أكد أكاديميون ومتخصصون بالعلوم النفسية والأمنية والقانونية أهمية التوسع في البحث العلمي ودراسة ما يعرف باسم "المخدرات الرقمية" أو "التعاطي الإلكتروني" ومدى تأثيرها على المتلقي لها وإيجاد تشريعات قانونية خاصة للتعامل معها.

وأوضحوا في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت أن "المخدرات الرقمية" إن صح التعبير تتم عن طريق الاستماع لإيقاعات بطريقة معينة لتحدث حالة نفسية لدى المتلقي تشبه إلى حد ما ما تولده حالة تعاطي بعض المخدرات الكيميائية.

وقال رئيس شعبة الصحة النفسية بمستشفى جابر الأحمد للقوات المسلحة العقيد طبيب دكتور نواف القديري ل(كونا) إن المخدرات الرقمية صرعة حديثة في عالم المخدرات تختلف تماما عن المخدرات التقليدية (الطبيعية أو المحضرة كيميائيا) فهي تصل أقصى العالم في لحظة واحدة عبر الشبكة العنكبوتية دون أن توقفها حدود أو تكتشفها نقاط التفتيش.

وأضاف القديري أن تلك المخدرات تعمل عندما يتعرض الدماغ إلى ذبذبات نغمية عبر ملفات رقمية تؤدي إلى إفراز بعض الناقلات العصبية الدماغية كالدوبامين والسيروتونين بكميات عالية مما يؤدي للوصول إلى حالة دماغية وعقلية شبيهة بحالة المتعاطي للمواد المخدرة المجرمة قانونيا كالهروين والكوكايين وعشبة القنب ومواد أخرى مصنعة علما أن هذا التأثير نسبي يختلف من شخص لآخر.

وأوضح أنه لابد في البداية من معرفة أن الترددات النغمية أو الرقمية عبارة عن ملفات صوتية تحتوي على نغمات أحادية أو ثنائية يستمع إليها المستخدم فتؤدي إلى تأثير يحاكي الهلوسة وحالات الانتشاء المصاحبة للتعاطي.

وذكر أن بعض تلك الترددات موجودة على الشبكة العنكبوتية تحت مسميات المواد المجرمة مثل القنب والكوكايين والهروين والأدوية ذات التأثير العقلي مما قد يفتح باب الإدمان مبينا أن كل ما يحتاجه الفرد هو سماعات للأذن وفق تلك الترددات.

ولفت القديري إلى أن ذلك النوع من المخدرات الرقمية يمكن أن يخزن على الهواتف الذكية مما يجعل تعقبها قانونيا يحتاج إلى تشريعات خاصة مضيفا أن "المخدرات الموسيقية" تصاحبها طقوس خاصة بها لتحقيق مستويات مرتفعة من النشوة أولها الانعزال التام والانقطاع عن العالم الخارجي.

وأوضح أنه في حالة الترددات النغمية الثنائية وهي الشائعة فإن فارق شدة الترددات ما بين الأذنين بمعنى إذا كان مثلا تردد الأذن اليمنى 440 هرتز فإن اليسرى تكون 400 هرتز يقوم المخ بالموازنة بين الصوتين والعمل على توحيدهما والمساواة بينهما فتكون الذبذبات بشدة 40 هرتز ومن اجل تعويض ذلك الفرق يقوم المخ بإفراز الناقلات العصبية كالدوبامين المسؤول عن النشاط والسعادة ويعرف ذلك الجهد المبذول بالجرعة.

وذكر أنه بعد اختيار درجة معينة من الذبذبات فإن المدمن أو المستمع لها يشعر بانسجام مع النغمات الصوتية بداية ثم يبدأ بإحساس الانفصال عن الواقع وأحيانا الشعور بدوار وسرعة في التنفس وزيادة ضربات القلب.

وقال القديري إن هذه الموسيقى تحدث تأثيرا سيئا في المتعاطي لأنها لا تشعر المتلقي بالابتهاج فحسب إنما تسبب له ما يعرف بلحظة الشرود الذهني إذ تحدث انفصالا عن الواقع ويقل فيها التركيز بشدة في وقت أثبتت بعض الدراسات أن الذبذبات النغمية تغير في كهرباء المخ.

وأشار إلى وجود أنواع مختلفة من المقطوعات الصوتية التي تحاكي تأثير المواد المخدرة وتتراوح مدة الجرعة ما بين 15 و30 دقيقة للمقاطع المعتدلة أو45 دقيقة للمقاطع شديدة التأثير.

من جانبه قال أستاذ علم النفس الفسيولوجي والأدوية النفسية بجامعة الكويت الدكتور كامل مطر الفراج ل(كونا) إن استخدام العقاقير الكيميائية ذات التأثير النفسي تشمل استخدام مواد مخدرة عدة مثل المواد النباتية والحبوب أو السوائل من خلال تناولها بطرق مختلفة مثل البلع والتدخين أو عن طريق الأنف والحقن فتحدث تأثيرات خطيرة على الجهاز العصبي وتغير من الاتصالات بين الأعصاب وتسبب حالات مختلفة من أعراض الانسحاب حين التوقف عنها.

وأضاف الفراج أن هناك نتائج متضاربة حول تأثيرها على التركيز وبصرف النظر عن البحوث التي تستكشف هذه الإيقاعات كعلاجات أو بهدف تحسين الاداء الذهني فهناك القليل من الأبحاث المتعلقة بالعقاقير الرقمية كبدائل للمواد ذات التأثير النفساني أو حتى بالتشابه معها مشيرا إلى وجود تخوف من اعتبارها بوابة للتعاطي الفعلي للمخدرات الكيميائية لكن لا يوجد دليل علمي على ذلك.

واعتبر ما يثار حول المخدرات الرقمية ما هو إلا "ضجة إعلامية" إذ لا يمكن لما يطلق عليه بالمخدرات الرقمية أن يحدث نفس تأثير المخدرات الكيميائية فلا هي تسبب الإدمان ولا تسبب أعراضا من الانسحاب كالمخدرات الحقيقية ولا تحدث تغيرات خطيرة في الدماغ واتصالاته كما تحدثها المخدرات الحقيقية.

وأضاف أنه ربما ما يظهر من مشاعر على المستمع لنغمات المخدرات الرقمية سببها إيحاؤه لنفسه بأن لهذه النغمات مفعول حقيقي لكن في الحقيقة هي ليست كذلك ولا تزال في مساحة الوهم لا أكثر.

من جهتها أكدت المحامية سعاد الشمالي ل(كونا) أن ما اصطلح على تسميته بالمخدرات الرقمية يستهدف فئة الشباب والمراهقين في المقام الأول مشددة على أن خطورة هذه الملفات الصوتية ليست في اسمها بل في تأثيرها والذي يعتبر نفس تأثير المخدرات الكيميائية من حيث الاسترخاء والنشوة الزائفة.

وأضافت الشمالي أن المخدرات الرقمية من الممكن أن تصل بمتعاطيها إلى مرحلة التشنجات وسرعة نبضات القلب ومشكلات التنفس مما يستدعي القلق وأخذ هذه القضية محمل الجد لأنها تجعل من متعاطيها فريسة سهلة ومشروع مدمن للمخدرات الكيميائية في المستقبل.

وحذرت من سهولة الحصول على هذه الملفات إذ يتم تداولها عبر مواقع الإنترنت بأسعار متفاوتة على حسب الجرعة ومدتها والإحساس الذي يريد الوصول إليه المتعاطي بل ومن الممكن أن تصمم له موجات صوتية وذبذبات خاصة به.

وشددت على ضرورة التعامل مع هذه الملفات الصوتية على أنها نوع من المخدرات بكل حزم وشدة لنقي شبابنا من الوقوع في شرك الإدمان خصوصا أنها أخذت في الانتشار في مختلف دول العالم منذ عام 2010 حتى بلغت أعداد المدمنين على المخدرات الرقمية نحو 200 مليون شخص في العالم.

وعن الوضع القانوني لمدمن المخدرات الرقمية أشارت إلى غياب توصيف علمي محدد يحدد ماهية المخدرات الرقمية إذ إن أحكام القانون رقم 74 لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها لا تنطبق عليها.

وقالت الشمالي إن تعامل القانون مع المخدرات يكون من خلال عنصرين أساسيين من الناحية القانونية هما التعاطي والاتجار وكلاهما يعتبران جناية في نظر قانون الجزاء الكويتي وان أدوات إثبات جريمة تعاطي المخدرات تكون إما بالإقرار أو بالتحليل المخبري أو عبر المضبوطات التي ضبطت بحوزته.

وأضافت اننا أمام نوع جديد من المخدرات التي تؤثر سلبا على الجسم وتعرضه لمخاطر جمة داعية إلى ضرورة تعديل النصوص القانونية لتجاري التغيرات والمستجدات في مجتمعاتنا.

بدوره أكد أستاذ علم النفس بجامعة الكويت الدكتور خضر بارون ل(كونا) أن تأثر الإنسان بالموجات السمعية قديم جدا فالإنسان يتأثر بالموجات الصوتية في محيطه الخارجي مشيرا لعدد من الظواهر القديمة والبدائية التي كان يستمع فيها الإنسان لدقات معينة ويتفاعل معها وتخرجه من حالة ادراكية لأخرى.

وأوضح بارون أن الموجات السمعية التي يتعرض لها الإنسان تحت ظروف معينة تنقله من حالة إدراكية لأخرى وتبث في نفسه حالة من الاسترخاء أو الرغبة في النعاس أو الهدوء النفسي والنشاط المفرط على حسب الجرعة التي يتعرض لها.

وأضاف أن مكمن الخطورة يتمثل بالوصول إلى الحالة التي من الممكن أن يصل إليها دون وجود مادة فعالة مؤثرة وإنما محصلة عوامل نفسية مثل الإيحاء والتوقع.

وبين أن هذه الأوهام تنتج لأن التأثير يبدو أكثر شدة أو اكثر وضوحا من خلال مدى توقع المتعاطي له إضافة إلى أن النغمات الثنائية قد تقود الدماغ لأن يرسل رسائل للجسم لإفراز هرمونات معينة مثل (الأندروفين) بكميات معينة فيشعر المتعاطي بنتائج شبيهة لأثر المخدرات والمنشطات التقليدية.

زر الذهاب إلى الأعلى