بزيادة قدرها 500 مليون دولار.. القهوة الإثيوبية تحقق معدلات إنتاج قياسية
يعد البن أو القهوة من أهم مصادر الدخل في الاقتصاد الإثيوبي الذي يعتمد على الزراعة؛ إذ يعمل في زراعة البن نحو 20 مليونا من إجمالي عدد سكان إثيوبيا الذي يقدر بنحو 115 مليون نسمة، وفق إحصائيات غير رسمية.
وإثيوبيا هي الأولى أفريقيا في إنتاج البن، فلقد حققت البلاد نجاحات كبيرة، مسجلةً معدلات إنتاج عالية وأرقاما قياسية غير مسبوقة من حيث الحجم والإيرادات، رغم التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية، بما فيها القرار الأميركي المتعلق بـ”قانون النمو والفرصة” بأفريقيا المعروف اختصارا بـ”أغوا” (AGOA)، وفقاً لـ «الجزيرة .نت».
وأعلنت هيئة القهوة والشاي الإثيوبية (حكومية) أن البلاد حصلت على 1.4 مليار دولار من تصدير 300 ألف طن من القهوة عام 2021 بزيادة قدرت بنحو 500 مليون دولار عن العام الماضي .
وأوضحت الهيئة أن أثيوبيا أنتجت 652 ألف طن من البن بنسبة أداء 92% من الخطة الموضوعة سلفا، بزيادة بلغت 21% أو 48 ألف طن مقارنة بصادرات العام الماضي.
وقال المدير العام للهيئة، أدونيا ديبلا، في مؤتمر صحفي، إن إثيوبيا امتلكت علامة تجارية للقهوة لم تكن تمتلكها من قبل، وهو ما مكن البلاد من بيع البن الخاص بها، وتجنب خلطها وبيعها مع أنواع البن الأخرى في سوق آسيا.
ولفت إلى أن إثيوبيا سجلت رقمًا قياسيًا غير مسبوق من حيث الحجم والإيرادات منذ أن بدأت في تصدير البن إلى السوق العالمية، بزيادة أكثر من 20.54% في الحجم و53.8% في الإيرادات على التوالي مقارنة بالعام المالي الماضي.
وترى أستير منغيشا، رئيسة شركة “أستير” لإعداد وتغليف البن الإثيوبي، أن القهوة هي العمود الفقري للاقتصاد الإثيوبي، وهي مثل النفط الخام لدى بعض الدول، وتعد من الثروات الدائمة على مر العصور.
وأوضحت منغيشا، للجزيرة نت، أن شركتها تعمل في مجال إعداد البن وتجهيزه منذ 20عاما، وإن نسبة مشاركة الإثيوبيات في صناعة البن -بدءا من الزراعة حتى تحميصه وتصديره- تبلغ 85% من العاملين في هذا القطاع.
أسباب النجاح
وأرجع المسؤول الإثيوبي ارتفاع صادرات البن الإثيوبي إلى الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية إلى جانب بروز أسواق جديدة للتصدير أبرزها الصين، والإجراءات التي تم اتخاذها لتسهيل منح القروض لمصدري وموردي البن، فضلا عن تحديث الخدمات اللوجستية، وتسجيل أداء التجارة الخارجية المشجع.
وتابع المسؤول أن الأنشطة الترويجية -التي تمت في المعارض التجارية الدولية المختلفة- وفتح أسواق جديدة أسهمت بصورة كبيرة في النجاح المسجل للقهوة الإثيوبية في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن ألمانيا هي أكبر مشتر للقهوة الإثيوبية، تليها الولايات المتحدة والسعودية.
ويأتي نجاح القهوة الإثيوبية في سياق النجاحات التي حققتها البلاد ضمن نطاق الاقتصاد الكلي، وأشاد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتحسن أداء الاقتصاد الكلي من حيث تدفقات أعلى للاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض التضخم في الشهرين الماضيين، ومبادرة البصمة الخضراء والأنشطة التطوعية وزيادة في التحويلات المالية والنشاط القائم على التكنولوجيا.
تحديات متعددة
لكن نجاحات البن الإثيوبي هذا العام واجهتها أيضا صعوبات وتحديات إدارية وأمنية وسياسية وبيئية، مثل العقوبات الأميركية والتغير المناخي، إذ تشير التقارير العلمية إلى أن زراعة القهوة والكاكاو تواجه تحديات جمة قد تجعل منهما محصولين نادرين في غضون الـ20 عاما المقبلة.
وحسب المهتمين بشأن الزراعة والمحاصيل الزراعية في المنطقة والعاملين في مجال استيراد وتوريد البن، فإن أكبر التحديات تتمثل في صعوبة منح القروض وضعف الترويج، بجانب تحديات الخدمات اللوجستية وغياب التحديث على مستوى الإنتاج، ويرى هؤلاء أن الأوضاع الأمنية بالبلاد كانت لها مردودات سالبة على مستوى الإنتاج والتحديات التي واجهها المزارعون.
وقال المدير التنفيذي لشركة “درمان” للتجارة، حارثي عبدي، إن ما حققته إثيوبيا من أرباح عالية في تصدير القهوة هذا العام كان يمكن أن يكون أكثر من ذلك إذا بذلت الحكومة جهدا أكبر في الزراعة والتحصيل.
وعزا عبدي، في حديثه للجزيرة نت، الأرباح التي حققتها إثيوبيا لمزايا المبيعات عالية القيمة إلى جانب انتشار الجفاف الذي أصاب مناطق “الأرابيكا” في البرازيل، وقال إن ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية لدى المستوردين يخلق ضغوطًا عالية لدفع عمليات البيع.
ولفت إلى أن التحدي يكمن في ضعف نشاط بورصة السلع في تداول القهوة، مما أعطى فرصة للوسطاء للحصول على امتيازات غير عادلة، وفق تعبيره.
وأشار المدير التنفيذي لشركة “درمان” للتجارة إلى أن التصدي لهذه التحديات يكون بوضع البورصة المناسبة للسلع التي يمكن أن توفر ضمان الجودة وتأكيد الدفع، والعمل على تأطير حديث وتحفيز المصدرين لعمل منتجات ذات قيمة مضافة.
ورغم ما واجهه الاقتصاد الإثيوبي خلال الأعوام الماضية من تحديات متعددة، فإن الخطة العشرية للحكومة الإثيوبية ورؤيتها لقطاع الزراعة مكنتاها من تحقيق نجاح غير مسبوق في البن “القهوة”.
تحديات
ولعل تغير المناخ الذي يواجهه العالم ساعد على انحسار مساحات الأراضي الصالحة للزراعة بإثيوبيا، ولم تكن زراعة القهوة بعيدة من هذا التأثير، خاصة في غياب الزراعة الحديثة بالري في بلد تعتمد فيه الزراعة على الأمطار الموسمية، في ظل تقارير عالمية سابقة تتوقع أن يتسبب الاحتباس الحراري في انحسار مساحات الأراضي الصالحة لزراعة القهوة إلى النصف بحلول عام 2050.
ويخيم شبح مجاعة على مناطق بدول شرق أفريقيا، بينها إثيوبيا وكينيا والصومال، وسط تحذيرات للهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق أفريقيا “إيغاد” (IGAD).
ووفق مركز التطبيقات والتنبؤات المناخية التابع للهيئة، فإن الشهر الأول من موسم 2022 الزراعي (الذي يمتد من مارس/آذار إلى مايو/أيار) كان جافًا بشكل خاص، وإن المنطقة سجلت درجات حرارة أعلى من معدل هطول الأمطار.
وسجلت أمطار العام الماضي بإثيوبيا معدلات متدنية وأقل من الطبيعية، في بلد يرتكز اقتصاده على الزراعة التي تسهم في أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 60% من الصادرات، وتشمل 80% من معدل إجمالي العمالة في البلاد.
وضمن التحديات التي واجهها الاقتصاد الإثيوبي مطلع العام الماضي، القرار الأميركي الذي يقضي بإنهاء الامتيازات الممنوحة لـ3 دول أفريقية من جنوب الصحراء -بما في ذلك إثيوبيا- وفقا لقانون أغوا اعتبارًا من الأول من يناير 2022.
وقانون النمو والفرصة بأفريقيا -المعروف اختصارا باسم أغوا- هو قانون تجارة أميركي سُن في 18 مايو 2000، لتعزيز وصول بلدان جنوب الصحراء الأفريقية إلى الأسواق الأميركية.
ووصفت إثيوبيا القرار حينها بأنه “مضلل ولا يأخذ في الاعتبار التزام حكومة الولايات المتحدة بتقييم رفاهية المواطنين العاديين”، وجادلت بأن القرار سيؤثر أيضًا على “سبل عيش أكثر من 200 ألف أسرة منخفضة الدخل”.