اقتصاد

«إيكونوميست»: العقوبات على روسيا سياسة «فاشلة»

الاقتصاد الروسي أكثر مرونة والعقوبات أكثر قابلية للاختراق مما كان مأمولاً

مع دخول حرب أوكرانيا ضد روسيا عامها الثالث، يتجادل المشرعون في واشنطن حول ما إذا كان سيتم إرسال مساعدات عسكرية لكييف.

لكن لدى أميركا شكوك أقل حول شنّ حملة مالية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما لاحظت مجلة «إيكونوميست»، فبعدما استهدفت كيانات روسية، تهدد واشنطن بفرض «عقوبات ثانوية» على المحرضين الأجانب.

وفي ديسمبر، قال البيت الأبيض إنه سيضع نظام الدولار خارج نطاق أي بنك يتبين أنه يساعد روسيا في الوصول إلى سلع حساسة.

وبعد مقتل زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني في السجن، من المقرر أن تعلن أميركا عن عقوبات جديدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

وفي 21 فبراير، وافق الاتحاد الأوروبي على الجولة الثالثة عشرة من العقوبات ضد روسيا، لمعاقبة الشركات الصينية والهندية التي يتبين أنها تساعد جهود بوتين الحربية. المشكلة هي، وفق المجلة، أن العقوبات لا تعمل بشكل جيد.

ومنذ فبراير 2022، فرضت أميركا وأوروبا وحلفاؤها عقوبات على أكثر من 16500 هدف روسي، لقد سعوا بطرق مختلفة إلى الحد من عائدات النفط الروسية وحظر تصدير السلع الحساسة إلى البلاد وتجميد احتياطات البنك المركزي وعزل بعض البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي.

وحظيت مجموعة العقوبات التي تستهدف أحد أكبر الاقتصادات في العالم بالترحيب الواسع النطاق باعتبارها غير مسبوقة، وحذرت حينها مجلة الإيكونوميست من أن الصدمة قد تؤدي إلى أزمة نقدية أو حتى انقلاب.

لكن الواقع أثبت أنه مختلف بشكل جذري. لقد كان الاقتصاد الروسي أكثر مرونة، وكانت جهود العقوبات أكثر قابلية للاختراق مما كان مأمولاً.

وبعد فترة وجيزة من بدء الحرب، توقع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي الروسي بأكثر من العُشر بين سنتي 2021 و2023.

وبحلول أكتوبر من السنة الماضية الماضية، توقع صندوق النقد الدولي أن يكون الناتج القومي سنة 2023 قد ارتفع قليلاً ربما خلال نفس الفترة. علاوة على ذلك، أظهرت الحرب مدى السرعة التي تجد بها التجارة العالمية والتدفقات المالية طريقاً للتغلب على الحواجز التي توضع في طريقها.

وفيما يتعلق بتجارة النفط الخام مثلاً، تم نقل نحو 60% من الخام الغربي الروسي عبر ناقلات أوروبية سنة 2022، ثم منع سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع شركات النقل من شحن النفط الروسي ما لم يتم تداوله بأقل من 60 دولاراً للبرميل.

رداً على ذلك، تطورت بنية ظل تحتية خارج سيطرة الغرب إلى حد بعيد وهي تنقل مقداراً كبيراً من النفط الروسي بأسعار أعلى، لقد انزلق نظام الطاقة العالمي من قبضة الغرب.

وبالمثل، تكيفت تدفقات تجارية أخرى. يعمل الغرب بحيوية على إضافة شركات وأفراد روس إلى قوائمه السوداء، لكن قسماً كبيراً من سكان العالم يعيش في بلدان تمتنع عن فرض العقوبات الغربية، ولا يوجد ما يمنع شركات جديدة من الظهور فجأة وممارسة أعمال تجارية هناك.

وحتى مع انهيار الصادرات من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، بدأت دول مثل أرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان باستيراد المزيد من أوروبا، وأصبحت بشكل غامض مورّدة مهمة لسلع حيوية إلى روسيا.

يفسر كل هذا سبب لجوء أميركا وأوروبا للعقوبات الثانوية، لكن الأخيرة تعاني من مشكلة أخرى: بالرغم من أنها قوية، يبقى أن لها آثاراً جانبية مزعجة، إن مجرد التهديد بفرض عقوبات ثانوية يمكن أن يؤدي إلى انهيار أحد البنوك.

وعندما قالت أميركا سنة 2018 إنها ستفكر في تصنيف بنك في لاتفيا لأنه مصدر قلق بشأن غسل أموال هادف جزئياً إلى مساعدة كوريا الشمالية على تفادي العقوبات، فر المودعون والدائنون الأجانب وانهار البنك في غضون أيام، وبالفعل أصبحت البنوك الصينية أكثر حذراً في تعاملاتها مع الشركات الروسية، خوفاً من نفوذ العم سام.

مع ذلك، من شأن مثل هذه الممارسة للقوة أن تؤدي على المدى الطويل إلى تآكل نفوذ أميركا على النظام المالي العالمي، وحتى أقوى أصدقاء أميركا في أوروبا يكرهون العقوبات الثانوية التي تفرضها والتي أدت في الماضي إلى فرض غرامات ضخمة على بعض بنوكها.

وإذا فرضت أميركا سياستها بعدوانية، فقد تشجع الاقتصادات الناشئة على تفادي تأثيرها عبر تجنب الدولار، وللمرة الأولى سنة 2023، تم إجراء المزيد من المدفوعات العابرة الحدود في الصين بعملة اليوان بالمقارنة مع الدولار. وسوف تميل دول أخرى إلى أن تحذو حذوها.

وتشير المجلة في الختام إلى أنه بالنسبة إلى صناع السياسات في واشنطن وبروكسل، تحمل العقوبات جاذبية مغرية، في وقت يتضاءل الدعم السياسي لتمويل أوكرانيا، تبدو هذه وسيلة رخيصة لإضعاف روسيا والدفاع عن أوكرانيا.

ومع ذلك، كشف العامان الماضيان مدى سذاجة هذا النوع من التفكير. فالعقوبات لا تقوم بما يكفي، وسيؤدي تعزيزها إلى نتائج عكسية على المدى الطويل. لا يوجد سلاح سحري. ليست الحرب المالية بديلاً عن إرسال الأموال والأسلحة التي تحتاج إليها أوكرانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى