حذّرت البنوك العالمية حكومة المملكة المتحدة من ضرورة وضع مبادئ قانونية قبل مباشرة الاستيلاء على أصول روسية تقدر بمليارات الجنيهات الإسترلينية، وإلا فإنها تخاطر بصدمات محتملة للنظام المالي العالمي وتعريض المؤسسات لإجراءات قانونية.
أدت العقوبات الدولية الشاملة، التي فُرضت بعد غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير 2022، إلى تجميد مجموعة من الأصول بما في ذلك أصول بحوالي 300 مليار دولار مملوكة للبنك المركزي الروسي. تطالب حملة عالمية يقودها الساسة والناشطون الآن، وفي الذكرى السنوية الثانية للغزو، بمصادرة الأصول وتحويل عائداتها إلى كييف، وفقاً لـ «الشرق».
كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد كاميرون من بين الذين دعوا إلى المصادرة، في حين أبدى القادة السياسيون في الاتحاد الأوروبي حذراً أكبر حيال هذا الأمر. إذ يبع حوالي ثلثي أموال البنك المركزي الروسي البالغة 300 مليار دولار في مؤسسة المقاصة «يوروكلير» (Euroclear) ومقرها في بلجيكا.
إجراءات منسقة دولياً
ردد البعض في صناعة التمويل هذا التحذير، وأخبروا «بلومبرغ» أنهم يريدون بلورة الخطاب السياسي المتصاعد إلى إجراءات منسقة دولياً لضمان مشروعية أي عملية مصادرة. يحذر بعض المصرفيين والمحامين في المملكة المتحدة من أن مصادرة أصول الشخصيات البارزة قد تضر بسمعة لندن كمركز مالي دولي، ويمكن أن تثير شكوكاً حول سيادة القانون.
يُتوقع أن يمثل كاميرون المملكة المتحدة في اجتماع يستضيفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس يوم الإثنين المقبل لبحث الدعم لأوكرانيا، حيث يمكن إثارة مسألة مصادرة الأصول. لكن من غير المتوقع تحقيق تقدم يُذكر قبل اجتماع زعماء مجموعة السبع في إيطاليا في يونيو المقبل، حسبما ذكر أشخاص شاركوا في المناقشات.
حماية قانونية
الأولوية بالنسبة إلى البنوك هي شكل من أشكال الحماية القانونية، أو التعويض، ضد أي إجراء مستقبلي قد تتخذه روسيا ضد المؤسسات المالية الفردية المتورطة في مصادرة الأصول، حسبما ذكر أشخاص مطلعون على الأمر رفضوا الكشف عن هوياتهم لخصوصية المناقشات حول هذا الأمر.
شددت الولايات المتحدة أمس الجمعة عقوباتها على موسكو بعد وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني أثناء اعتقاله الأسبوع الماضي.
قال بيل براودر، وهو مستثمر سابق في روسيا تحوّل إلى معارض للكرملين: «أبدى الجميع استعدادهم لمعاقبة بوتين على مقتل نافالني، من خلال إجراءات مثل فرض 500 عقوبة جديدة من جانب الولايات المتحدة. وأضاف: «هذا لن يغير موقف بوتين. مصادرة أموال روسية بقيمة 300 مليار دولار تحت مسمى قانون نافالني من شأنه أن يبعث برسالة يفهمها بوتين».
القيمة الإجمالية للأصول الروسية في المملكة المتحدة غير معروفة، لكن النائب عن حزب العمال المعارض كريس براينت قال العام الماضي إن حوالي 26 مليار جنيه إسترليني من أصول البنك المركزي الروسي موجودة في بريطانيا، ولكن يمكن الاحتفاظ ببعضها ضمن «يوروكلير».
سيناريوهات المصادرة
يدرس مسؤولون من عدة إدارات حكومية في المملكة المتحدة خططاً لمصادرة أصول تتراوح بين الممتلكات التابعة لأقلية حاكمة إلى الأموال الموجودة في حساباتهم المصرفية. لكن محور الاهتمام الأكبر هو البنك المركزي الروسي. أما الاقتراح البديل للاستيلاء على الأصول فهو إصدار سندات، باستخدام الأموال كضمان، وهو الأمر الذي جرت مناقشته أيضاً.
السيناريو الآخر –الذي اكتسب زخماً بين البنوك وداخل الاتحاد الأوروبي– هو فصل مدفوعات الفائدة المستحقة على الأصول المصادرة وتسليمها إلى أوكرانيا، مع ترك الأصول دون المساس بها.
قال أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات بالمملكة المتحدة إن التوصل إلى خيار يناسب الجميع سيتطلب التعاون عبر الحدود، ومشاركة الولايات المتحدة وموافقتها. أضاف أن الأمر قد يصبح مشكلة بالنسبة لمن سيفوز بالانتخابات العامة في وقت لاحق من العام الجاري.
من المرجح أن يقع الكثير من الجهد الشاق –بشأن تفاصيل أي إجراء معتمد– على عاتق آلية تنسيق الإنفاذ التابعة لمجموعة السبع، والتي ساعدت في فرض العقوبات من جانب مختلف الدول ضد روسيا بشكل متزامن، وفق تشارلز كينول، الذي كان حتى وقت قريب رئيس مجلس اللوردات في المملكة المتحدة بلجنة الاتحاد الأوروبي.
مطالبة بمسار تدقيق واضح
أخطرت المؤسسات المالية أعضاء البرلمان ومسؤولي الخدمة المدنية بأن أي تحرك لمصادرة الأموال سيتطلب مسار تدقيق واضح لإثبات أن الأموال كانت تُوجّه إلى أوكرانيا، وتعزيز هذه العملية وشفافيتها. كما حثت هذه المؤسسات الحكومة على أن تأخذ بعين الاعتبار أي ضغط قد تواجهه سيولة البنوك بسبب الطلبات المفاجئة لتسليم الأموال، أو إذا قرر مستثمرون أجانب آخرون –قلقون بشأن الاستيلاء على الأصول– سحب أموالهم الخاصة، بحسب المطلعين على المناقشات.
يعتقد العديد من المصرفيين أن الخطة الأكثر قابلية للتطبيق هي استخدام الفوائد المتراكمة بدلاً من محاولة مصادرة الأموال النقدية الأساسية. أرسى الاتحاد الأوروبي الأساس لمثل هذا النهج من خلال قانون طُرح الشهر الجاري يطالب المؤسسات التي تحتفظ بالأموال المصادرة بفصل الأرباح. تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى إمكانية توجيه نحو 15 مليار يورو (16.2 مليار دولار) إلى أوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة عبر هذا المسار.
قال متحدث باسم الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية: «أكدنا نحن وشركاؤنا في مجموعة السبع مراراً وتكراراً على أن التزامات روسيا بموجب القانون الدولي واضحة، وهي: يجب عليها أن تدفع ثمن الأضرار التي ألحقتها بأوكرانيا». أضاف: «تظل المملكة المتحدة ملتزمة تماماً بالعمل مع حلفائها لاتخاذ شتى السبل القانونية التي يمكن من خلالها استخدام الأصول الروسية لدعم أوكرانيا».