المجلس التأسيسي.. نواة المجالس النيابية واللبنة الأولى في مسيرة ترسيخ الديمقراطية الكويتية
جاء رغبة من الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم في وضع أركان الدولة الحديثة
في العشرين من يناير عام 1962 كانت الكويت على موعد مع مرحلة مفصلية في مسيرة الديمقراطية المتجذرة فيها، تمثلت في افتتاح المجلس التأسيسي الذي اعتبر اللبنة الأولى في طريق ترسيخ تلك الديمقراطية وفق الأعراف الحديثة والأول من نوعه في دول مجلس التعاون الخليجي.
وجاء ذلك الحدث التاريخي رغبة من أمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح -طيب الله ثراه- في وضع أركان الدولة الحديثة وإقامة نظام حكم على أسس متينة وواضحة، مرتكزة على المبادئ الديمقراطية ومبدأ المشاركة الشعبية في إعداد الدستور وقيام المؤسسات الدستورية.
وفي ذلك اليوم الذي شهد عقد أولى جلسات المجلس التأسيسي ألقى الأمير الراحل خطاباً أكد فيه مفهومه للديمقراطية بوصفها «ركناً أساسياً من أركان بناء الدولة الحديثة»، مبيناً أهمية ذلك المجلس الذي تقع على عاتقه «مهمة وضع أسس الحكم في المستقبل».
وانطلقت بدايات تشكيل المجلس التأسيسي مع استكمال البلاد في 19 يونيو 1961 استقلالها بإنهاء أحكام اتفاقية 23 يناير 1899 التي وقعها أمير الكويت السابق الشيخ مبارك الصباح -طيب الله ثراه- مع بريطانيا، وإعلان الشيخ عبدالله السالم الصباح اعتزامه استكمال قيام المؤسسات الدستورية والحكومية في أقرب وقت.
وفي 26 أغسطس عام 1961 أصدر الشيخ عبدالله السالم مرسوماً أميرياً بتشكيل هيئة تنظيمية تضم 11 شخصاً للعمل على إنشاء المجلس التأسيسي، تعبيراً عن رغبة منه في إقامة نظام الحكم على أسس راسخة وتمهيداً لإصدار دستور للبلاد يستمد أحكامه من ظروفها ويستند الى المبادئ الديمقراطية ويستهدف تنمية البلاد ورفاهية أبنائها.
ونصّ المرسوم في مادته الثانية على أن يكون هناك مجلس أعلى يضم رؤساء الدوائر الحكومية وأعضاء الهيئة التنظيمية، ليتولى إلى جانب المهام المنوطة به وضع مشروع قانون لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي يتولى عند تشكيله اعداد دستور للبلاد.
وعلى إثر ذلك صدر في السادس من سبتمبر 1961 القانون المنظم لتلك الانتخابات، وتم بمقتضاه تقسيم الكويت إلى عشر مناطق انتخابية على أن يتم انتخاب نائبين اثنين عن كل منطقة بالاقتراع السري العام ليكون عدد أعضاء المجلس التأسيسي 20 عضواً يضاف إليهم الوزراء كأعضاء في المجلس بحُكم مناصبهم.
واشترط القانون ألا يقل عمر النائب عن 30 سنة وأن يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة، وأن يستمر المجلس قائماً على عمله لمدة سنة واحدة من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب ما لم يقرر الدستور غير ذلك.
وفي 30 ديسمبر 1961 شهدت البلاد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي الذي فاز بعضويته 20 مرشحاً لينضم إليهم بحكم مناصبهم أعضاء الحكومة التي سميت حينذاك بـ«الانتقالية» وتشكّلت في 17 يناير 1962 برئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح وشملت 14 وزيراً بينهم 11 من الأسرة الحاكمة وثلاثة من الأعضاء المنتخبين في المجلس.
وفي أولى جلسات المجلس التأسيسي تمت تزكية عبداللطيف ثنيان الغانم رئيساً له فيما شكل المجلس في الثالث من مارس 1962 لجنة خماسية من أعضائه لإعداد مشروع الدستور ضمت كلاً من يعقوب الحميضي وحمود الخالد وعبداللطيف ثنيان الغانم والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله -طيب الله ثراه- وسعود العبدالرزاق.
وأنجزت اللجنة مهمتها في 23 جلسة وقدمته للمجلس لمناقشته فتم إقراره ورفعه إلى الشيخ عبدالله السالم في الثامن من نوفمبر 1962 الذي صدق عليه وأصدره بعد ثلاثة أيام بالصورة التي أقرها المجلس.
وأثناء تسليمه مشروع الدستور لأمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم قال رئيس المجلس التأسيسي «إنه لشرف كبير لزملائي أعضاء لجنة الدستور ولشخصي أن نقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي مشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت».
وأضاف الغانم في كلمته التاريخية التي خاطب بها الأمير الراحل «كل رجائنا أن يأتي هذا الدستور محققاً لآمالكم الكبيرة لخير شعبكم الوفي».
ورد الأمير الراحل بكلمة قال فيها: «نحمد الله العلي القدير أن أتاح لنا في هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا العزيز تحقيق أمنيتنا في وضع دستور للبلاد يقوم على أسس ديمقراطية سليمة ويتفق وتقاليدنا ويتجاوب وآمال أمتنا ونحن إذ نبارك له اليوم هذه الخطوة ونصدر الدستور نشكر لكم جميعا ما بذلتم من جهود مخلصة وما أظهرتم من روح الاخوة الصادقة في أثناء عملكم».
وفي 15 يناير 1963 عقد المجلس التأسيسي جلسته الختامية التي انتهت بها مهمته وألقى فيها نائب رئيس مجلس الوزراء بالوكالة آنذاك الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد -طيب الله ثراه- كلمة الحكومة التي قال فيها إن المجلس كان موفّقاً في تحقيق رغبة الشيخ عبدالله السالم.
وقال الشيخ جابر الأحمد إن نصوص الدستور جاءت محققة للديمقراطية في أكمل صورة ومتفقة مع واقع البلد وظروفه ومساهمة في دفعه إلى ركب الحضارة، مضيفاً أن الحكومة تقدّر كبر المهمة التي ألقيت على عاتق المجلس التأسيسي في وضع دستور للبلاد والقيام بأعمال المجلس التشريعي أثناء فترة الانتقال.
وأضاف أن المجلس قام بالعبء على أحسن وجه فكان مثلاً رائعاً في فهم الأمور وحُسن تناولها والتعاون الكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للسير بالبلاد قدماً نحو ما تصبو إليه من مكانة.
وذكر أن أبناء الكويت «ليرقبون العهد الدستوري القادم بتفاؤل الراغبين في الإصلاح الحريصين على مصلحة البلاد العليا المتعاونين على الخير»، مضيفاً أن «الكل يشعر أن هذا العهد القريب جديد في نصوصه وحدها قديم في جذوره الراسخة بأعماق هذه الأمة الكريمة».
وفي 23 يناير عام 1963 أجريت انتخابات تشريعية لاختيار أول مجلس أمة في الكويت بعد الاستقلال وعقب انتهاء أعمال المجلس التأسيسي حيث تنافس فيها 250 مرشحاً على مقاعده الخمسين في حين بلغ عدد الناخبين 16889 ناخباً موزعين على عشر دوائر.
ويتألف دستور البلاد من 183 مادة موزّعة على خمسة أبواب، الأول عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات.
ويتضمن الدستور خمسة فصول، يشتمل الأول على أحكام عامة ويعنى الثاني بسلطات رئيس الدولة والثالث بالسلطة التشريعية والرابع بالسلطة التنفيذية والخامس بالسلطة القضائية في حين ضم الباب الخامس أحكاماً عامة ومؤقتة.