الاقتصاد السوداني يئن تحت وطأة الضغوط بعد عام من الحرب
حجم الخسائر تصل إلى نحو 700 مليار دولار
تحت وطأة ضغوط الحرب وتداعياتها السلبية تجرع الاقتصاد السوداني خسائر كبيرة جعلت آفاق الخروج من المأزق تبدو أكثر صعوبة، بعد مرور عام على المواجهات العسكرية.
ووجهت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023 ضربة قاضية لمختلف مناحي الاقتصاد أفقدت معظم الأسر مصادر دخلها وأصبحت الدائرة تضيق أكثر فأكثر على السودانيين.
وبحسب تقديرات أولية لاقتصاديين ارتفع حجم الخسائر من 20 مليار دولار خلال الشهرين الأولين للحرب ليصل إلى نحو 700 مليار دولار حالياً.
وقدر وزير المالية في السودان دكتور جبريل إبراهيم نهاية العام الماضي حجم الخسائر بأنها قد تصل إلى 200 مليار دولار، دون حساب خسائر الفرص الاقتصادية الضائعة للبلاد، فيما تشير تقديرات أخرى الى أنها قد تصل لنحو 700 مليار دولار.
وفي هذا الإطار أوضح الخبير الاقتصادي دكتور وائل فهمي ان تقديرات وزير المالية تعادل قيمة الصرف اليومي على العمليات العسكرية فقط بمعدل نصف مليار دولار يومياً في الفترة الأولى والتي تضاعفت بعد توسع القتال ليشمل نحو 70 بالمئة من السودان، مشيراً الى ان جملة الخسائر الاقتصادية تجعل الرقم يتضاعف ليصل لنحو 700 مليار دولار.
واستند فهمي في ذلك الى متوسط الخسائر في الشهر، بالإضافة إلى عوامل المضاعف الاقتصادي للحرب شاملة تعويضات المواطنين وصيانة البيئة الحياتية وحساب المفقود من الناتج المحلي القومي وتقديرات المهدر من فرص التنمية والعمل المنتج والمنح والمعونات والمساعدات المتوقفة حالياً.
وحذّر فهمي من أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
وأكد فهمي أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثراً حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 85 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاعا الخدمات والزراعي بنسبة 70 بالمئة لكل منهما.
وفي السياق يقول الصحفي والمحلل الاقتصادي احمد خليل ان استمرار الحرب أدى لتدمير البنية التحتية وتوقف المشروعات التنموية الكبيرة وانهيار قطاع الخدمات والصناعة.
وأشار خليل الى انه لا توجد احصائيات دقيقة لحجم الخسائر الا ان بعض التقديرات تظهر ان قيمة خسائر البنى التحتية والمعلوماتية تصل الى نحو 36 مليار دولار وتكبد القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي خسائر آنية وخسائر مستقبلية بلغت أكثر من 20 مليار دولار، فيما خسر القطاع الصناعي نحو 15 ملياراً ونحو 16 ملياراً في قطاع التعليم و13 ملياراً في القطاع الصحي وتصل خسائر القطاع المصرفي الى نحو 20 مليار دولار.
ودفع الصراع الدائر حالياً القطاع المصرفي إلى أزمة حادة تمثلت في عدم توفر الخدمات المصرفية ومحدودية الوصول إليها ونقص نقدي واسع النطاق.
وتشير تقارير إلى تعرض 100 فرع من المصارف العاملة في السودان للنهب والسرقة والتدمير بينما بلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38 بالمئة في مصارف العاصمة الخرطوم فقط.
ويكافح السودانيون لشراء العناصر الأساسية بعد ان ارتفعت أسعار المواد الغذائية في السودان بنسبة 73 بالمئة عن العام الماضي وأعلى بنسبة 350 بالمئة عن متوسط السنوات الخمس بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة العملة المحلية بنحو 56.15 بالمئة.
وهبط سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار من 570 جنيها قبل اندلاع الحرب إلى 1300 جنيه وهو ما ادى إلى ارتفاع السلع والخدمات وسط توقعات بانكماش الاقتصاد بنسبة 12 بالمئة فيما تراجع حجم الصادرات والواردات في عام 2023 بنسبة 23 بالمئة مقارنة بالعام السابق له.
وبحسب ارقام رسمية انكمش الناتج القومي للاقتصاد السوداني أكثر من 40 بالمئة وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمئة في ضوء انهيار المصارف والمشاريع الانتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الايرادات فيما تجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة مع دخول أكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة.
ويأتي ذلك وسط تحذيرات اممية من ان ملايين الاشخاص في السودان مهددون بالمجاعة بعد ان دمرت الحرب الزراعة والشركات والاقتصادات الوطنية تاركة ضحاياها جائعين ومفلسين.
وبحسب تقييم أجرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» انخفض انتاج الحبوب بنسبة 46 بالمئة عن مستويات العام الماضي وأقل بنسبة 40 بالمئة عن متوسط السنوات الخمس.
ودمر الصراع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق إجبار المزارعين على ترك أراضيهم في وقت اصبحت أيضا الاسمدة والوقود غير ميسورة التكلفة بالنسبة للمزارعين الذين مازالوا قادرين على رعاية حقولهم.
ويلخص خليل المشهد بالقول «هذه الحرب حولت حياة السودانيين الى جحيم ومن لم يمت بالرصاص والقصف يهدده انهيار الاقتصاد».