منوعات

«عُمان عبر الزمان».. نافذة عصرية على تاريخ السلطنة في حقب زمنية متعاقبة

(كونا) – يمثل التاريخ نقطة الانطلاق للدول والشعوب نحو الريادة الآنية والمستقبلية فمن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل.. ومن قلب سلطنة عمان بمحافظة (الداخلية) في ولاية (منح) يشق متحف (عمان عبر الزمان) دربا من التاريخ المجيد ليروي قصة عمان بمعالمها الساحرة حيث يتجلى الإرث الغني والنهضة البارزة ليلتئم الماضي والحاضر بين ربوع السلطنة انطلاقا إلى مستقبل واعد.

وجاء المرسوم السلطاني رقم (15 / 2023) ليؤذن بافتتاح المتحف في ظل رعاية سلطان عمان هيثم بن طارق الذي واصل البناء على الأساس الذي وضعه للمتحف السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.

ويسعى المتحف إلى إيصال فكرة كل جناح للزائر بأفضل الوسائل الحديثة والتقنيات منها تقنية إسقاط الخرائط وشاشات العرض المختلفة الأنواع بمساحة تقارب 800 متر مربع ويوفر للزوار استكشاف المحتوى باللغتين العربية والإنجليزية من خلال استخدام سماعات الرأس التزامنية مع الأفلام وجميع النتاجات الفنية بشكل فوري الأمر الذي يوفر الوقت والجهد للزائر.

كما يستطيع زائرو المتحف استخدام تقنية الواقع الافتراضي المكونة من شاشات متعددة تحتوي على كاميرات معلقة كما في جناح «المستوطنون الأوائل» ضمن قاعة التاريخ حيث يقوم الزائر بتحريك الشاشة فوق أجزاء من المتحف لرؤية المستوطنين الأوائل في (رأس الحمراء) ونمط حياتهم وكذلك تتوافر تقنية الشاشة المنحنية بزاوية 360 درجة لتمكين الزائر من الاستدارة حول نفسه أمامها لمشاهدة فيلم عن «عصر اليعاربة» مثلا وتم تصنيفها هذا العام كواحدة من أفضل خمس قاعات عرض متحفية على مستوى العالم.

وفي هذا السياق أكد المدير العام لمتحف (عمان عبر الزمان) المهندس اليقظان الحارثي أن فكرة المتحف تعود إلى المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد حيث أصدر الأمر السلطاني بإنشاء متحف تفاعلي يحكي بالصوت والصورة تاريخ عمان العريق وتنوعها الجيولوجي والجغرافي بالإضافة إلى منجزات نهضتها المباركة وأن يكون موقع المتحف في ولاية (منح) بمحافظة (الداخلية).

وقال الحارثي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن «المتحف يستهدف فئة الشباب المهتمين بالتقنيات الحديثة ليروي تاريخ عمان العريق» موضحا أن «عمان معروفة بهذا الاسم منذ آلاف السنين وأن آثار الوجود البشري فيها تعود إلى العصر الحجري القديم وأن بعض هذه الآثار معروضة في المتحف».

وأضاف أن السلطان قابوس أراد لمتحف (عمان عبر الزمان) أن يبرز تنوع السلطنة الجيولوجي والجغرافي من جبال ووديان وسهول وبحار ورمال «حيث قمنا بعكس تضاريس عمان بالإضافة إلى عرض منجزات نهضتها في مسار موضوعي من عام 1970 إلى يومنا هذا» والتي أرسى دعائمها السلطان قابوس وواصل عليها السلطان هيثم بن طارق بنهضة متجددة ورؤية مستقبلية واعدة.

وحول تصميم المتحف الذي يترجم العمارة العمانية بأسلوب عصري قال الحارثي إن «التصميم هو نتيجة لمسابقة معمارية على مستوى العالم فاز بها المصمم الأسترالي ستيف ويتلاند وهو مصمم ذو مكانة عالمية في مجال المتاحف» لافتا إلى أن «المصمم زار موقع المشروع وشاهد تشكل جبال الحجر على طول المسار فاستلهم منها الأشكال الهندسية المثلثة والمعينة وجمعها لتشكل جبالا».

وأوضح أن هذا التصميم انعكس على شكل متحف (عمان عبر الزمان) حيث أخذ المصمم حجارة من هذه الجبال لكسوة المبنى كما استخدم النحاس المستخرج من مناجمهاحيث كانت سلطنة عمان معروفة بأرض النحاس سابقا في العصر البرونزيلتشكيل بعض الجماليات في المبنى كما استخدم الكريستال والزجاج على واجهات المبنى للسماح بمرور الضوء من خلالها ما يتيح للزائر النظر عبر المتحف إلى الآفاق الممتدة ورؤية الجبال التي هي أصل استلهام تصميم المتحف.

ولفت إلى أن المبنى صديق للبيئة فمن الجهة الشرقية يرتفع التصميم من الأرض إلى أعلى نقطة ومن الجهة الغربية يوجد بعض الزجاج الذي يسمح بنفاذ الضوء مع وجود جدران عاكسة تمنع وصول أشعة الشمس المباشرة إلى داخل المبنى مبينا أن المتحف مقسم إلى مجموعة من المناطق من أهمها مركز المعرفة ويضم قاعة للمحاضرات تسع 300 شخص وتستضيف الكثير من الندوات والمؤتمرات العلمية إضافة إلى العروض المسرحية والسينمائية.

وأضاف أن المركز يضم أيضا قاعات تدريسية ممثلة بمعملي الابتكار والأفكار وتقام فيهما الكثير من الورش والدورات التدريبية للشباب وطلاب المدارس فضلا عن مختبر الحاسب الآلي الذي يستخدم للورشات التخصصية ومرجعا للباحثين ويحتوي مركز المعرفة كذلك على إحدى أهم المكتبات في سلطنة عمان وهي مكتبة (حصن الشموخ) التي تم نقلها من القصر السلطاني (حصن الشموخ) إلى المتحف وتضم حاليا أكثر من 47 ألف كتاب.

وأشار إلى وجود مكتبة للأطفال تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب ومصادر التعلم الخاصة بالأطفال موضحا أن المكتبة صديقة لذوي الإعاقة ويستطيع جميع الزوار الاستفادة من محتوياتها كما تم ربطها مؤخرا بشبكة البحث العلمي والابتكار (مصادر) بحيث يتوافر للباحث أكبر منظومة للبحث الالكتروني والتي تضم ملايين المراجع الإلكترونية في المكتبة.

وقال الحارثي إن «المتحف يحتوي كذلك على قاعة متعددة الأغراض تستضيف الفعاليات الضخمة والمعارض والأنشطة كما يوجد العديد من المقاهي والمطاعم ودورات المياه والمصليات ومساحات كبيرة تحتضن شاشات ضخمة أو ساحات خارجية في الحديقة».

وحول الحقب التاريخية لسلطنة عمان التي يعرضها المتحف أكد الحارثي أن اسم المتحف (عمان عبر الزمان) وليس (عبر الأزمان) وذلك لوجود تسلسل زمني متواصل بدءا من تاريخ العصر الحجري القديم وظهور الحياة البشرية مرورا بالعصر الحجري الحديث ولدينا منه مستوطنة (راس الحمرا) التي تم تجسيد آثارها بمجسمات وعروض مرئية بتقنيات حديثة بالإضافة إلى شواهد عينية ومقتنيات تعود إلى تلك الحقبة الزمنية.

وأضاف أن تاريخ عمان العريق يستمر حتى نأتي إلى العصر البرونزي الذي عرفت فيه السلطنة بأرض النحاس ورحلات «سفن مجان»العمانية التراثيةمن عمان إلى البصرة وإلى الهند حيث كانت السلطنة تصدر النحاس إلى البصرة على شكل سبائك ليتم تصنيعها هناك وتعاد إلى عمان ليتم تصديرها إلى الهند وفي نفس الوقت يتم استيراد بعض المنتجات الهندية إلى عمان والتي ترسل بدورها إلى البصرة.

وعن العصر الحديدي قال الحارثي إن هذا العصر امتاز بربط عمان الداخل مع عمان الساحل من خلال استئناس الجمال التي أصبحت أهم وسيلة نقل في تلك الفترة وهنا برزت بعض المدن التي في داخل عمان ومن أهمها مدينة (سلوت).

وأشار إلى دخول عمان في الإسلام وما نجم عن ذلك من تطور فكري وجمالي ومعماري للسلطنة إذ تطورت علوم الفلك والطب واتضح هذا في المخطوطات والوثائق القديمة وجميعها موجودة في المتحف بالإضافة إلى علاقات عمان الخارجية التي أسهمت في نشر الإسلام من خلال التجار العمانيين الذين كانوا يرتحلون إلى الهند والصين وشرق أفريقيا.

وأضاف أنه في نفس الفترة ظهرت في عمان الممالك والإمامات وصولا إلى توحيد عمان عن طريق اليعاربة للتخلص من الغزو البرتغالي فبدأت دولة اليعاربة وبرز فيها التطور الفكري والعلمي وكان هناك اهتمام بالزراعة وتطوير نظام الأفلاجالقنوات المحفورة في باطن الأرضوالطرق الحربية وبناء القلاع والحصون إضافة إلى نمو الأسطول العماني البحري في تلك الفترة لمواجهة الغزو البرتغالي وملاحقته في البحار.

وتابع أنه «من بعد دولة اليعاربة تأتي دولة البوسعيد والتي امتازت بنشأتها وتطورها خلال امبراطورية الإمام سعيد بن سلطان الذي كان سيد البحار حيث وصل أسطوله البحري إلى أوروبا وأمريكا في زيارات دبلوماسية تربط عمان بهذه الدول وتدل على قوة عمان وحضارتها في تلك الفترة وقد اتخذ من مسقط وزنجبار عاصمتين له بالإضافة إلى تشكل الكثير من التطورات في أرض الواقع فيما يخص تشكيل مجلس الوزراء واستخراج النفط وتشكيل القوات العسكرية النظامية التي تم استحداثها في فترة البوسعيد».

وعن المقتنيات النادرة للسلطان قابوس قال المدير العام للمتحف إن «جلالة السلطان قابوس قائد له مكانة عظيمة لدى المجتمع العماني ومنذ أن تولى الحكم بذل جهدا كبيرا وكان يلتقي العمانيين في جولاته السامية ويأخذ آراءهم في بعض القرارات بما يخدم المجتمع العماني ويعرض المتحف بعض السيارات التي استخدمها خلال جولاته إضافة إلى بطاقاته الشخصية وجوازات السفر ورخص القيادة التي كان يحصل عليها كغيره من أفراد المجتمع».

وأضاف أنه توجد أيضا وصية المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد حيث أمر السلطان هيثم بن طارق بعرض أصلها في المتحف وهي معروضة مع الظرف الذي كان يحملها والرسالة الأولى التي أوصت بتعيين السلطان هيثم بن طارق كما توجد مجموعة أخرى من المقتنيات السلطانية للسلطان قابوس بن سعيد كاللباس العسكري وعصا السلطان ولجميعها دلالة كبيرة لارتباطه بالنهضة المباركة وعمق العلاقة بينه وبين مجتمعه.

وأشار إلى أن المتحف يمتاز عن بقية المتاحف بتقنية لمس المحتوى وتصويره فيما يعرف بالمتحف التفاعلي وهذا الذي جعل متحف (عمان عبر الزمان) يصنف ضمن أفضل خمسة متاحف مستقبلية في العالم بسبب مخاطبته جميع حواس الزائر ما يعطي عمقا ووضوحا للمعلومة لدى الزائر.

وحول التعاون وتبادل المعروضات بين المتحف وباقي متاحف المنطقة والعالم أوضح الحارثي أنه كأي متحف عالمي توجد بالمتحف مقتنيات تمت استعارتها من داخل عمان أو خارجها حيث توجد بعض المعروضات من المتحف الوطني ومن مكتبة السيد محمد بن أحمد أحد اقطاب الثقافة والفكر العمانيين ومن جامعة السلطان قابوس ومعروضات مستعارة من الخارج من المتحف البريطاني و(متحف سميثسونيان) بالولايات المتحدة والمتحف الوطني في البحرين.

وأشار الحارثي إلى أن هناك خطة لتوسيع المتحف من خلال تنويع المعروضات وتدويرها بالإضافة إلى تطوير المحتوى التفاعلي وشاشات العرض المتحفي واستغلال المساحات الموجودة في المتحف لعرض بعض المقتنيات والمعروضات وأن العمل جار الآن لإضافة بعض خزانات العرض للمتحف.

زر الذهاب إلى الأعلى