الغيص: الأطروحات التي تقول إن المعادن المهمة ستوفر مستقبلاً للعالم يعتمد على الطاقة المتجددة فقط «غير كاملة»
تطوير المعادن المهمة يتضمن أنشطة استخراج ومعالجة صعبة
• السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية جميعها تعتمد بشكل كبير على المعادن الثمينة
(كونا) – قال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) هيثم الغيص يوم الاثنين إن الأطروحات التي تقول إن المعادن المهمة ستوفر للعالم مستقبلا يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية فقط «غير كاملة».
وأكد الغيص في مقالٍ له نشر على الموقع الرسمي للمنظمة على توجهات (أوبك) حيث تؤمن المنظمة بتعدد مسارات الطاقة المستقبلية للدول والشعوب في جميع أنحاء العالم مشيرا الى أهمية أن ينظر العالم لهذا الأمر بواقعية.
وشدد على أن مسارات الطاقة المستدامة هي أمر حيوي للشعوب في جميع أنحاء العالم فعند أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار فإنه لا بد من إدراك التأثيرات الواقعية المترتبة على السيناريوهات والسياسات الرامية إلى تعزيز مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
وأضاف أن هناك الكثير من العناصر التي تدخل في هذا الأمر وأحد هذه العناصر الرئيسية هو الدور الذي تلعبه المعادن المهمة.
وذكر أن المعادن مثل النحاس والكوبالت والسيليكون والنيكل والليثيوم والغرافيت والمعادن النادرة تدعم تطوير مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية مشيرا إلى أن وكالة الطاقة الدولية ترى في سيناريو الحياد الصفري بحلول عام 2050 والذي نشرته أن الطلب على المعادن المهمة سيتضاعف أربع مرات بحلول عام 2040 وهذه وتيرة نمو لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
وأوضح الغيص أن «الغرض من تسليط الضوء على هذه المسألة لا ينبغي أن يفسر بأي حال من الأحوال على أنه انتقاص من الأهمية التي توليها (أوبك) لمصادر الطاقة المتجددة والكهربة في مستقبل الطاقة فالدول الأعضاء في المنظمة تستثمر بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة وفي جميع مراحل سلاسل التوريد الخاصة بها بل وتشارك أيضا في تطوير المركبات الكهربائية.
وطرح الغيص عدة تساؤلات عن شكل التوسعات في الطلب على المعادن المهمة مستقبلا وإذا كان هذا النوع من التوسع ممكن حقا وما الآثار المترتبة عليه ومدى استدامته وكذلك مدى أهمية النفط والغاز في التوسع باستخدام المعادن المهمة وكذلك مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والشبكات الكهربائية.
وتابع الغيص قالا إنه وبالنظر إلى سيناريو وكالة الطاقة الدولية (الحياد الصفري بحلول عام 2050) فإنه بحلول عام 2040 سيرتفع الطلب على النحاس بنسبة 50 بالمئة وسيتضاعف تقريبا الطلب على المعادن النادرة كما سيرتفع الطلب على الكوبالت بأكثر من الضعف وسيقترب الطلب على النيكل الى ثلاثة أضعاف وسينمو الطلب على الغرافيت أربع مرات تقريبا كما سيشهد الليثيوم زيادة في الطلب عليه بمقدار تسعة أضعاف تقريبا مشددا على دوره المهم في صناعة البطاريات.
وأشار الى أن هذا سيتطلب بناء العديد من المناجم الجديدة مستذكرا ما قالته وكالة الطاقة الدولية في عام 2022 من أنه بحلول عام 2030 سيحتاج العالم لبناء 50 منجما جديدا لليثيوم و60 منجما جديدا للنيكل و17 للكوبالت.
ورأى أنه لا بد من الأخذ بالاعتبار أن مشاريع سلاسل التوريد المهمة على مدار التاريخ لمثل هذه الأنواع من السلع تتطلب فترات زمنية طويلة لتطويرها خاصة في الفترة ما بين الاكتشاف وبدء الإنتاج.
وهنا طرح الغيص تساؤلا مهما آخر وهو هل معدل النمو هذا واقعي وماذا قد يكون التأثير إذا كان النمو ضعيفا والسؤال الأهم ماذا لو أوقف صانعو السياسات الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة.
وأفاد الغيص بأن تطوير المعادن المهمة يتضمن أنشطة استخراج ومعالجة صعبة ما يبين شدة العالم الذي سيعتمد عليها مشيرا إلى أن السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية والشبكات الكهربائية الحديثة جميعها تعتمد بشكل كبير على المعادن الثمينة.
وأوضح أن السيارة الكهربائية تحتوي على نحو 200 كيلوغرام من المعادن وعلى النقيض من ذلك تستخدم السيارة التقليدية فقط 34 كيلوغراما كما يتطلب إنتاج ميغاواط واحد من الكهرباء من توربينات الرياح البحرية نحو 15 طنا من المعادن و7 أطنان لإنتاج ميغاواط واحد من الطاقة الشمسية في حين أنه بالنسبة للغاز الطبيعي فيحتاج إلى ما يزيد قليلا عن طن واحد.
وأضاف الغيص أن تعدين المعادن المهمة يعد نشاطا يستهلك كميات هائلة من الطاقة وهو نشاط يعتمد حاليا على الهيدروكربون ولا يوجد أي بديل آخر.
وأشار إلى أن استخدام الفحم والغاز أمر ضروري لتكرير المعادن من خلال العمليات الحرارية والكيميائية المختلفة مثل المزج للمساعدة في إزالة المعادن الأخرى والتسخين إلى درجات حرارة عالية لإنتاج عينات أكثر نقاء فيما تستخدم المنتجات النفطية أيضا الحفارات والجرافات والشاحنات في هذه المواقع بالإضافة الى أشكال النقل المختلفة لنقل المعادن من مراكز العرض إلى مراكز الطلب.
ولفت الغيص إلى مقال كان قد نشره في مستهل الدورة الثامنة لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي عام 2023 بعنوان (كوب 28 في الأفق: التركيز على نهج شامل لنظام الطاقة) وسلط فيه الضوء على استحالة إنتاج توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية دون استخدام منتجات النفط الحيوية فالصناعة النفطية والطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية ليست منفصلة عن بعضها البعض.
وعن استهلاك الطاقة قال الغيص إنه يمكن أن تشهد أنشطة التعدين زيادة بأكثر من خمسة أضعاف بحلول منتصف القرن الحالي ومن المتوقع أن تشكل الحاجة إلى بنية تحتية من أجل بناء شبكات كهرباء جديدة مثل خطوط الكهرباء والمحولات أحد أهم أسباب ارتفاع الطلب على المعادن خصوصا النحاس حيث إنه وفي سيناريو الحياد الصفري التي أصدرته نشرة (بلومبرغ نيف) يرد أن شبكات الكهرباء ستمتد لنحو 152 مليون كيلومتر أي ما يعادل مسافة الوصول إلى الشمس تقريبا.
وأمام هذه المعطيات طرح الغيص عددا من التساؤلات المهمة وهي: هل من الواقعي الاعتقاد أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها سيمكنها أن تلبي التوسع المتوقع في قطاع الكهرباء لاسيما أن العالم استثمر أكثر من 5ر9 تريليون دولار في التحول الطاقي على مدى العقدين الماضيين ومع ذلك لا تزال طاقة الرياح والطاقة الشمسية توفران أقل من 4 بالمئة فقط من أجمالي الطاقة حول العالم في الوقت الذي يتراوح انتشار السيارات الكهربائية حول العالم من 2 إلى 3 بالمئة فقط.
وهنا ذكر الغيص أن بلومبرغ في تقريرها الجديد (آفاق الطاقة الجديدة) أشارت إلى أن سيناريو الحياد الصفري سيكلف 250 تريليون دولار بحلول عام 2050 «فلذلك نرى أن العديد من صانعي السياسات بدأوا بالانتباه إلى المتطلبات الهائلة للمعادن في سيناريوهات الحياد الصفري حيث بدأوا بطرح العديد من الأسئلة حول مدى سهولة زيادة إنتاج المعادن المهمة بالشكل المطلوب والمستدام حيث إن نسبة زيادة الاستثمارات العالمية لعام 2023 انخفضت عما كانت عليها في 2022.