الشيخ ناصر المحمد: الكويت بلغت ذروة حضورها الدبلوماسي في عهد الأمير مشعل الأحمد
افتتاح السفارة السويسرية يستعيد ذكريات تأسيس العلاقات عام 1966 وتطورها المستمر

(كونا) – أكد سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر المبارك الصباح أن الكويت تولي عناية خاصة لعلاقاتها الخارجية منذ نشأتها وأن هذه العناية وتلك العلاقات بلغت أوجها في الوقت الراهن تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
جاء ذلك في كلمة لسمو الشيخ ناصر المحمد ألقاها خلال حفل استقبال أقامته السفارة السويسرية لدى البلاد اليوم السبت بمناسبة افتتاح مقرها الجديد في منطقة القادسية حيث شارك سموه وزير خارجية الاتحاد السويسري أغناسيو كاسيس في افتتاح المقر الجديد لسفارة بلاده بحضور وزير الخارجية عبدالله اليحيا وسفير الاتحاد السويسري تيزيانو بالميلي.
وقال سموه في بداية كلمته التي ألقاها باللغة الفرنسية إن دولة الكويت “أولت منذ استقلالها أهمية خاصة لعلاقاتها الخارجية وخاصة مع الدول التي تحتل مكانة مميزة في النظام الدولي حتى بلغت تلك العلاقات أوجها في الوقت الراهن وذلك تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه”.
وأضاف أن سمو الأمير “يقود البلاد بحكمة في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ المنطقة ويمد يده الكريمة للدول الشقيقة والصديقة في الشرق والغرب ويولي اهتماما كبيرا بالعلاقات الكويتية السويسرية ويوصي باستمرار توثيق التعاون بين بلدينا الصديقين بما يتوافق مع فكر سموه رعاه الله الاستراتيجي”.
وأكد أن افتتاح السفارة “يشكل في وجداني ذكريات للبدايات عندما قررت دولة الكويت والاتحاد السويسري في 16 يونيو 1966 إقامة علاقات بينهما وقد تشرفت بأن أضع أول لبنة في صرح العلاقات بين الجانبين”.
وذكر أنه “في العام نفسه الذي قرر فيه الجانبان إقامة العلاقات تم اعتمادي قنصلا عاما لدولة الكويت لدى الاتحاد السويسري ومقره جنيف وقضيت بالمنصب سنتين حيث غادرت إلى طهران وعينت سفيرا فوق العادة في إيران عام 1968”.
وقال سموه “لقد تركت سويسرا وأنا أشعر إزاءها بحميمية شديدة حيث تلقيت فيها دراستي منذ عام 1959 ونسجت فيها شبكة من العلاقات وعشقت فيها روح النظام والمثابرة والإتقان”.
وأوضح أن الحكومة السويسرية اعتمدت في العام ذاته سفيرها في لبنان كسفير معتمد في دولة الكويت وبعد عام واحد افتتحت قنصلية فخرية للاتحاد السويسري في دولة الكويت كما سمِّي المرحوم مراد يوسف بهبهاني قنصلا فخريا للاتحاد السويسري.
وأشار إلى أن دولة الكويت كانت ثاني دولة خليجية تقيم علاقات مع الاتحاد السويسري وأنه خلال تلك الفترة تطورت العلاقات بين الجانبين مما دفع الحكومة السويسرية إلى افتتاح سفارة لها بمدينة الكويت عام 1975.
وتابع سمو الشيخ ناصر المحمد قائلا “عندما توليت رئاسة مجلس الوزراء في فبراير 2006 اتخذت الحكومة الكويتية قرارا بافتتاح سفارة لدولة الكويت في برن في أبريل عام 2006 إدراكا مني لأهمية العلاقات بيننا وقمت بزيارة رسمية للاتحاد السويسري بهدف تنمية علاقاتنا وذلك في الفترة ما بين 12-16 سبتمبر 2011”.
وشدد سموه على أن سويسرا “ليست مجرد مركز عالمي لإدارة الثروات والاستثمارات السيادية أو وجهة آمنة للأموال.. إنها تمثل صورة من صور التفوق فهي تمثل نموذجا للدولة الناجحة والمستقلة بالقرار رغم صغر رقعتها الجغرافية إذ تعتبر على المستوى الدولي منصة تواصل خلفية بين القوى الكبرى”.
واضاف “لقد أثبتت سويسرا طوال العقود الماضية أنها وسيط آمن في القضايا الإقليمية بحكم حيادها التاريخي وثقة الأطراف الدولية بها وتتميز دبلوماسيتها بأنها هادئة وسرية وغير استعراضية وهو ما يتناسب مع الأسلوب الدبلوماسي الخليجي”.
تابع “ولعل هذا ما جعلها خيارا مفضلا لدول الخليج إذا ما احتاجت إلى وساطة محايدة أو قناة تواصل غير رسمية كدورها في رعاية مصالح الدول فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أدت سويسرا مهام رعاية المصالح في أكثر من 200 حالة بين دول مختلفة ومثلت في ذروة نشاطها أكثر من 70 دولة من واشنطن إلى طهران ومن الرياض إلى هافانا ومن موسكو إلى تبليسي وكانت تؤدي دور الدولة الحافظة للتواصل الإنساني في عالم يكثر فيه الانقسام مما جعلها توصف بالدولة الحامية العالمية.
وأشار إلى أن ذلك بالإضافة “لاحتضانها محادثات غير مباشرة تخص ملفات المنطقة في جنيف مثل: ملفات تخص اليمن وسوريا وإيران، ولعل إدراك العالم بحيادية سويسرا كان قديما وهو ما يفسر موقف الفاتيكان من اختيار المواطنين السويسريين لتشكيل حرس بابوي منذ عهد البابا يوليوس الثاني عام 1506”.
وذكر أن “وجود مقار للمنظمات الدولية في سويسرا وخصوصا في جنيف سهل للدبلوماسيين في العالم التواصل المباشر مع المنظومة الأممية دون المرور عبر وسطاء بالإضافة إلى أن المؤسسات السويسرية القانونية والمالية تعد مرجعا لدول العالم في التشريعات المالية والتحكيم الدولي ومكافحة الفساد وغسل الأموال”.
وأوضح سموه أن كثيرا من القضايا التجارية المعقدة بين الشركات العالمية تبت فيها محاكم الدولة في جنيف أو زيورخ أو هيئة مستقلة كالمركز السويسري للتحكيم الدولي.
وأكد سمو الشيخ ناصر المحمد أنه بالإضافة إلى كل ذلك فإن سويسرا “صارت من أهم الشركاء التجاريين الأوروبيين لدول العالم خصوصا في مجالات الأدوية والمعدات الطبية والساعات والمجوهرات والأجهزة الدقيقة والأدوات الصناعية والصناعات الثقيلة والعسكرية واحتلت مرتبة متقدمة أوروبيا في حجم الصادرات إلى بعض دول العالم رغم عدم انتمائها إلى الاتحاد الأوروبي”.
وقال “كما أن سويسرا شريك أساسي في المشاريع الإنسانية سواء عبر الصليب الأحمر الذي لم يكن وجوده في سويسرا مجرد موقع إداري بل هو تجسيد لفلسفة الدولة نفسها (الحياد المسلح بالإنسانية) وكذلك وكالات الأمم المتحدة المقيمة فيها والجمعيات الخيرية في دول العالم من التي لها مكاتب تنسيق في جنيف وبرن وملفات أخرى في الاتحاد السويسري للتعاون مع مؤسسات الإغاثة السويسرية”.
فضلا عن أن سويسرا كما قال سموه “من أهم وجهات السياحة العلاجية بفضل مؤسساتها الطبية المرموقة ومستشفياتها الخاصة عالية التقنية.. وبالنسبة لنا في الخليج العربي فقد استقطبت مدن سويسرا السياحة العائلية الخليجية حتى صارت تقليدا موسميَّا مما خلق روابط اجتماعية وثقافية غير رسمية وشجعت الكثير من الكويتيين على اقتناء منازل في مختلف كنتونات الاتحاد السويسري وفق قانونها لاستملاك المنازل”.
أضاف “ولهذا صارت سويسرا تحافظ على صورة البلد المتوازن في الإعلام الدولي وهو ما جعلها تحظى بمكانة إيجابية لدى الرأي العام وصارت العقدة المحايدة في النظام الدولي الحالي بسبب قدرتها على الربط بين المصالح المتنافسة للدول الكبرى والتوازن بين الاقتصاد والإنسانية وبين السلطة والأخلاق”.
وشدد على أن أهميتها “ليست في قوتها المادية بل في دورها الوسيط في الحروب والأزمات وفي مركزها المؤسسي في المنظمات الدولية وفي استقرارها الداخلي وقدرتها على احتضان التنوع وفي شرعيتها الأخلاقية في عالم متنازع المصالح”.
تابع “ولهذا فإن النموذج السويسري يلهم صانعي القرار إلى بناء دبلوماسية متوازنة بين القوى الكبرى دون الانخراط في المحاور المتصارعة كما أن سويسرا توفر منصة آمنة للتواصل غير العلني بين الأطراف الدولية في الملفات الحساسة”.
وذكر أن العلاقات بين الكويت والاتحاد السويسري شهدت تطورا ملحوظا تجسد بسلسلة من الزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار المسؤولين شملت قيادات سياسية ووزراء ووزراء خارجية ورؤساء برلمانات إضافة إلى مبعوثين خاصين ومديرين رفيعي المستوى.. كما عقدت جولات متعددة من المشاورات السياسية بين البلدين عكست حرص الطرفين على تعزيز الحوار والتنسيق في مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
ونوه بالنشاط الدبلوماسي الحافل بين البلدين ومنها الزيارات على مدى عقدين من الزمن وجولات المشاورات المستمرة ما يكشف التطور الكبير في علاقات البلدين الصديقين”.
أضاف “ولعل أهمها اللقاء رفيع المستوى بين سمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وفخامة فيولا آمهيرد رئيسة الاتحاد السويسري السابقة على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 79 في نيويورك خلال العام الماضي”.
وقال “ومما يزيدنا فخرا أن أصبحت دولة الكويت بفضل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه من أكثر البلاد أمنا واستقرارا تحرص على تطوير علاقات التعاون مع دول العالم المختلفة”.
وتابع “ويمكن القول إن سويسرا تأتي على رأس تلك الدول فهي ليست مجرد شريك اقتصادي بل نموذج سياسي وأخلاقي ومالي وهو ما تؤكده سياساتها” مبينا أن الكويت سوف تظل ملتزمة بعلاقاتها مع سويسرا.
وأكد “أننا لا ننسى موقفها إبان العدوان العراقي الغاشم عندما وقفت موقفا مبدئيا قويا يدعم الموقف الكويتي وبمبادرة إنسانية منها سمحت بتمديد إقامات الكويتيين العالقين على أراضيها وسمحت لطلابنا بالالتحاق في مدارسها.
واختتم سمو الشيخ ناصر المحمد كلمته بالقول “أود أن أؤكد أن ما يجمع دولة الكويت بسويسرا علاقة استثنائية تقوم على الثقة المتبادلة والمصالح المستقرة وتعكس فهما عميقا لكل ما يعنيه بأن تكون دولة ذات رقعة جغرافية صغيرة في عالم كبير وتبني نفوذا بالثقة لا القوة”.
وكان سمو الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح قد استقبل في قصر الشويخ وزير خارجية الاتحاد السويسري اغناسيو كاسيس بمناسبة زيارته البلاد ثم أقام في وقت لاحق مأدبة غداء على شرف الضيف والوفد المرافق له.





