أخبار دولية

الموقف الأمريكي من الانسحاب من أفغانستان.. ثابت استراتيجيا متغير تكتيكيا 

(كونا) – لم يتغير الموقف الأمريكي الاستراتيجي بشأن الانسحاب من أفغانستان بعد سيطرة حركة (طالبان) على العاصمة كابول في 11 يوما بحيث كان المتغير الوحيد في هذا الإطار تكتيكيا لجهة إعادة التموضع لحماية الأمن القومي الأمريكي وإرسال المزيد من القوات للاسراع في عمليات إجلاء الرعايا الأمريكيين والأجانب والأفغان المتحالفين مع الولايات المتحدة.

لقد بقيت الحكومة الأمريكية بشقيها السياسي والعسكري ملتزمة بالخطوط العريضة لقرار الانسحاب من أفغانستان الذي أعلنه الرئيس جو بايدن إلا أنها أجرت عليه بعض التعديلات استجابة "للوضع المتغير" على الأرض وفق ما أعلن مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهمية نقل التركيز العسكري باتجاه "التموضع الاستراتيجي" الذي دعت إليه مساعدة وزير الدفاع لشؤون الجهوزية شون سكيلي أمام مؤتمر دفاعي خلال الأسبوع الذي تلا سيطرة (طالبان) على كابول في 14 أغسطس الجاري.

وفي تفاصيل الموقف الأمريكي عاد الرئيس الأمريكي من منتجع (كامب ديفيد) بعد يومين من دخول عناصر (طالبان) القصر الرئاسي الأفغاني بخطاب قال فيه انه يقف بقوة وراء قراره الانسحاب من أفغانستان بحيث أعاد التأكيد على ما قاله في يوليوالماضي بأن "المصلحة الحيوية" الوحيدة في أفغانستان "لا تزال اليوم كما كانت دائما" وهي منع الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة.

وجدد بايدن في الكلمة التي وجهها إلى الشعب الأمريكي بشكل خاص التشديد على أن الولايات المتحدة حققت أهدافها في أفغانستان معتبرا أن "بناء دولة أو خلق ديموقراطية مركزية" لم يكن الهدف وراء دخول أفغانستان وهو ما يعيد إلى الأذهان خطابه قبل أقل من شهر ونصف إذ قال إن "بناء الدولة الأفغانية" يعتبر حقا للشعب الأفغاني وواجبا عليه.

وعلى الرغم من إقراره بأن التطورات في أفغانستان "حدثت بسرعة أكبر مما توقعنا" حسب تعبيره إلا أنه نأى بقواته عن أي مسؤولية عن النتائج والفوضى التي خلفتها واعتبر أنه "يتعين على الأفغان الدفاع عن بلادهم" مشددا على أن الولايات المتحدة أعطتهم "جميع القدرات لتقرير مستقبلهم" إلا أنها لا يمكنها "إعطاءهم الإرادة للقتال من أجله".

وبالرغم مما بدا حرصا منه على عدم التدخل في الشأن السياسي الأفغاني إلا أن بايدن لم يخف وجهة نظره فيما يتعلق بما حدث في الأيام الماضية إذ قال إن "القادة السياسيين الأفغان استسلموا وهربوا من البلاد وانهار الجيش الأفغاني وبعضهم لم يحاول القتال".

كما أنه مضى أبعد من ذلك في تحييد الولايات المتحدة عن الصراع الأفغاني إذ صرح لشبكة (اي بي سي) إن تنظيم (القاعدة) وما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) "ينتشران" وأن "هناك تهديدا من أماكن أخرى في العالم أكبر من التهديد الآتي من جبال أفغانستان".

وانسجاما مع موقفه الذي يعزل الولايات المتحدة عن مصير أفغانستان السياسي لم يتطرق بايدن إلى حركة (طالبان) كفكر ومنهج وأسلوب حكم واكتفى بالتلويح برد "سريع وقوي" واستخدام "القوة المدمرة" في حال وقع أي هجوم خلال عمليات الإجلاء.

أما بخصوص احتمال بقاء القوات الأمريكية لما بعد الموعد النهائي لإنجاز انهائه في 31 أغسطس الجاري ألمح بايدن للمرة الأولى منذ إعلان الإنسحاب أن ذلك خيار وارد حيث قال في مقابلة نشرتها الشبكة ذاتها يوم الأربعاء الماضي إنه "إذا بقي مواطنون أمريكيون سنبقى (في أفغانستان) حتى نخرجهم جميعا".

وفي هذا السياق لفت المتحدث باسم ال (بنتاغون) جون كيربي في إيجاز صحفي إلى أنه في حال "صدر قرار بتغيير" الموعد النهائي لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول نهاية الشهر الحالي فعندئذ "من الواضح أن ذلك سيتطلب محادثات إضافية مع طالبان" معربا عن عدم اعتقاده بأن هذه المحادثات "جرت في هذه المرحلة".

وتعمل وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان على تنفيذ مهمة الإجلاء على الأرض بأسرع وقت ممكن وهو ما ترجمه المتحدث باسم ال (بنتاغون) جون كيربي من خلال تصريحه الاثنين أن قوات إضافية ستصل إلى أفغانستان لضبط الأمن في مطار كابول الدولي (حامد كرزاي) وتنظيم إجراء معاملات المغادرين ليصل عددها إلى 6000 جندي.

كما برز ذلك أيضا في إفادة المتحدث باسم الخارجية نيد برايس بأن الوزارة ترسل المزيد من الفرق القنصلية إلى أفغانستان لتسريع إنجاز المعاملات.

وتظهر الإدارة الأمريكية إعلاميا للعالم وللداخل الأمريكي اهتمامها الشديد بإنجاز تلك المهمة من خلال الإيجازات الصحفية اليومية التي تقدمها الخارجية وال (بنتاغون) بالإضافة إلى نشر البيت الأبيض لمضمون الإحاطات التي يتلقاها الرئيس الأمريكي باستمرار من قبل فريق الأمن القومي التابع له بهذا الشأن.

ويحرص جميع المسؤولين الذين يقدمون الإيجازات والإحاطات على الإضاءة على التواصل المستمر مع (طالبان) لضمان الإجلاء الآمن بالإضافة إلى التنويه بعدم حصول أي "تفاعلات عدائية" مع الحركة وذلك على الرغم من الإعلان عن ورود "عدد قليل من التقارير من المواطنين الأمريكيين عن إعاقة وصولهم إلى المطار" مع عدم إغفال ذكر وجود تقارير عن "تحرش" عناصر (طالبان) بالأفغان وتعرضهم لهم بالإيذاء خلال محاولاتهم الوصول إلى المطار.

وتتويجا للأهمية الكبرى التي توليها الولايات المتحدة لإنجاز مهمة الإجلاء أعلن الرئيس الأمريكي الجمعة الماضية بنفسه استئناف الرحلات الجوية من مطار (حامد كرزاي) بعد توقفها لساعات في الصباح مشيرا إلى التمكن من إجلاء 5700 شخص في الليلة السابقة ما يرفع عدد الذين تم إخراجهم من أفغانستان منذ يوليو حتى وقت إعلان بايدن إلى 18000 شخص في عملية وصفها بأنها "واحدة من أكبر وأصعب عمليات الجسور الجوية في التاريخ" مؤكدا أن "الدولة الوحيدة في العالم القادرة على إبراز هذا القدر من القوة على الجانب الآخر من العالم بهذه الدرجة من الدقة هي الولايات المتحدة".

وفي مقابل متابعة الوضع على الأرض لإتمام الإجلاء وإنهاء التواجد المباشر في أفغانستان شددت الولايات المتحدة في الأيام التي تلت سيطرة (طالبان) على العاصمة الأفغانية على استمرار دعمها دبلوماسيا وإنسانيا وإغاثيا واقتصاديا.

وعلى سبيل المثال أعربت الولايات المتحدة في بيان وقعه كذلك الاتحاد الأوروبي و19 دولة عن "القلق البالغ" إزاء أوضاع النساء في أفغانستان بعد سيطرة (طالبان) على البلاد داعية "من هم في مواقع القوة والسلطة في جميع أنحاء أفغانستان إلى ضمان حمايتهن" مبدية الاستعداد كمجتمع دولي للوقوف إلى جانبهن "عبر تقديم المساعدات الإنسانية والدعم لضمان إسماع أصواتهن".

كما جدد الرئيس الأمريكي بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني التأكيد على وضع إدارته لحقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة "ليس من خلال الانتشار العسكري اللامتناهي ولكن من خلال دبلوماسيتنا وأدواتنا الاقتصادية ودعم عمال الإغاثة والمنظمات وحشد العالم للانضمام إلينا".

وبينما تشير المعطيات والإشارات حتى الآن إلى ثبات الولايات المتحدة على موقفها في إيلاء الأهمية لعمليات الإجلاء وتمسكها بالانسحاب إلا أن استمرارها بإيلاء الاهتمام بالجانب الإنساني في الملف الأفغاني برز في إصدار الرئيس الأمريكي مذكرة موجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن لتخصيص حوالي 500 مليون دولار من صندوق مساعدة اللاجئين والهجرة في حالات الطوارئ لتلبية احتياجات اللجوء والهجرة العاجلة غير المتوقعة للاجئين وضحايا النزاع وغيرهم من الأشخاص المعرضين للخطر نتيجة للوضع في أفغانستان بمن في ذلك المتقدمون للحصول على تأشيرات الهجرة الخاصة.

أما فيما يتعلق بشكل الحكم المستقبلي في أفغانستان فبرز الموقف الأمريكي من خلال تصريح نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان بأن الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني لم يعد في سدة المسؤولية وأن حركة (طالبان) تأمل "تشكيل حكومة في أفغانستان" وأنها "تسعى إلى الشرعية" مشيرة إلى أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يراقبون أفعالها عن كثب وما إذا كانت سوف تضمن حقوق الشعب الأفغاني وهو ما كرره الرئيس الأمريكي بعد عدة أيام مضيفا "سنرى ما إذا كان ما يقولونه سيكون صحيحا أم لا".

حتى أنه أجاب لدى سؤاله عما إذا كان سيؤيد فرض عقوبات على (طالبان) بأن ذلك "يعتمد على سلوكها".
 

زر الذهاب إلى الأعلى