موزمبيق.. استثمارات دولية بـ60 مليار دولار تحت رحمة «داعش»
(الأناضول) – توشك موزمبيق أن تتحول إلى مركز عالمي لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي في جنوب شرق القارة الإفريقية، بعدما توقع خبراء اقتصاديون أن تتصدر المشهد العالمي للطاقة، قريبا، بفضل الاكتشافات الهائلة للغاز.
إذ شكل سيطرت مجموعة مسلحة موالية لداعش على مدينة بالما (شمال شرق)، عاصمة الغاز في موزمبيق، أكبر تهديد ليس فقط لأمن واقتصاد البلاد، بل لمصالح كبرى الشركات العالمية للطاقة، سواء الأمريكية منها أو الفرنسية والإيطالية والصينية وحتى اليابانية، والتي استثمرت مجتمعة نحو 60 مليار دولار، لاستغلال حقول الغاز.
إذ أن الهجوم المباغت الذي شنه 100 عنصر من داعش على «بالما»، في 24 مارس الماضي، استغرق 4 أيام فقط قبل أن تنهار دفاعات المدينة، التي سقطت بالكامل في يد التنظيم المتطرف، الذي أعلن قتله 55 من قوات الأمن.
لكن ليس فقط أفراد الأمن من سقطوا قتلى في هذا الهجوم، بل العشرات أيضا من المدنيين، بينهم أجنبيان، تم ذبحهما، بحسب وسائل إعلام غربية.
وأحصت الأمم المتحدة نزوح 9 آلاف و150 شخصا من بالما، التي يقطنها نحو 75 ألف نسمة، توفي بعضهم في الأدغال جوعا وعطشا.
وارتفع عدد النازحين إلى أكثر من 700 ألف نسمة، بينما بلغ عدد القتلى منذ بداية العنف المسلح شمالي البلاد في 2017، نحو 2600 قتيل.
غير أن الجيش الموزمبيقي أعلن في 5 أبريل الجاري، أن المنطقة «آمنة»، دون أن يؤكد استعادة السيطرة عليها بالكامل.
** من المرتزقة إلى قوات تدريب صغيرة
يبدو الجيش الموزمبيقي مشدوها أمام الضربات التي يتلقاها على يد «ولاية داعش في وسط إفريقيا»، رغم إرساله الآلاف من عناصره لدعم الاستقرار في المنطقة الشمالية ذات الغالبية المسلمة، التي راحت ضحية هذه الهجمات.
فموزمبيق، التي استقلت من الاحتلال البرتغالي في 1975 فقط، وجدت نفسها أمام حرب أهلية استغرقت 15 سنة، ولم تتوقف إلا بعد اتفاق السلام في 1992، سمح لها بتحقيق الانتقال الديمقراطي، قبل ظهور «أنصار السنة» أو حركة الشباب، في 2017 وانضمامها رسميا إلى «داعش» في 2019.
وتمكن الجيش الموزمبيقي من مواجهة «داعش» بين عامي 2017 و2018، لكن منذ 2019، صعّد التنظيم هجماته بشكل غير مسبوق، مما اضطر حكومة مابوتو للاستعانة بمرتزقة فاغنر الروس، وأيضا بشركة أمنية من جنوب إفريقيا تدعى «دايك ادفايزوري غروب»، بحسب تقارير إعلامية.
لكن المرتزقة الأجانب ورغم امتلاكهم أسلحة نوعية وتجهيزات حديثة وتدريب خاص لم يتمكنوا من إيقاف هجمات مسلحي «داعش» المتحصنين في الأدغال والغابات الاستوائية الكثيفة.
والمثير أن الولايات المتحدة أرسلت قبل نحو 10 أيام من هجوم «داعش» على بالما، قوات خاصة قليلة العدد لتدريب عناصر الجيش الموزمبيقي على مكافحة الإرهاب.
بينما أعلنت البرتغال، المستعمر السابق موزمبيق، إرسال 60 جنديا إلى البلاد خلال الأسابيع المقبلة.
أما جنوب إفريقيا المجاورة فأرسلت بدورها جنودا إلى موزمبيق لإجلاء مواطنيها العالقين، معلنة أن أحد مواطنيها قتل خلال المواجهات، بينما يوجد 50 آخرون في عداد المفقودين.
حيث يعمل الكثير من العمال الجنوب إفريقيين لحساب شركة «توتال» الفرنسية في مشروع ضخم لتسييل الغاز، ولا يبعد عن وسط بالما سوى بنحو 10 كلم.
ولم توضح جنوب إفريقيا، ما إذا كان دور جنودها سيقتصر على حماية مواطنيها في بالما ومدينة بيمبا، التي فروا إليها، أم سيبقون لدعم جهود موزمبيق في محاربة «داعش».
لكن بالمقابل، قال سفير جنوب إفريقيا لدى موبوتو «سيفيوي نيادا»، إن بلاده «تعقد مباحثات مع مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، بهدف إيجاد حل ينهي الإرهاب في موزمبيق».
ما يعني أن بريتوريا قد تشكل تحالفا عسكريا من دول «مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية»، التي تضم 15 دولة في جنوب القارة السمراء، لمواجهة داعش شمالي موزمبيق.
بينما لا تبدي واشنطن حماسة في تشكيل تحالف دولي لمواجهة داعش في شمال موزمبيق، على غرار ذلك الذي تشكل في العراق وسوريا وضم 83 دولة لمحاربة التنظيم الإرهابي.
في حين تراقب فرنسا الوضع في موزمبيق دون أن تحرك ساكنا، رغم أنها تستثمر عبر شركتها توتال 23 مليار دولار في بالما، ويعود ذلك إلى عدم رغبتها في الضياع بأدغال إفريقيا الجنوبية بعدما غاصت في الرمال المتحركة بالساحل الإفريقي.
** استثمارات الغاز في مرمى «داعش»
أكثر ما تخشاه الدول الغربية وخاصة الشركات التي استثمرت عشرات مليارات الدولارات، أن يستولي «داعش» على المنشآت الغازية في موزمبيق.
وهذا السيناريو آخر ما يمكن للدول تخيله، لأنه لا يعني فقدان استثمارات بـ60 مليار دولار، هي الأكبر في إفريقيا، بل إن «داعش» سيصبح له قوة مالية يمكن أن يستخدمها في شراء الأسلحة وتجنيد مزيد من العناصر، بل وتأسيس إمارة له في محافظة «كابو ديلغادو» على الحدود مع تنزانيا.
وأي تدخل عسكري دولي واسع النطاق لا يراعي الحساسيات السياسية والدينية شمالي موزمبيق، التي يقطنها 4 ملايين مسلم، قد يفاقم الوضع ويجعله أكثر تعقيدا.
إذ لا بد من حرمان «داعش» من أي حاضنة اجتماعية له في المنطقة، ولا يتحقق ذلك إلا بكسب ثقة السكان المحليين، وتخصيص جزء من عائدات الغاز لتنمية هذه المنطقة المهمشة والبعيدة عن العاصمة مابوتو بنحو 1600 كلم.
فالجيش الموزمبيقي، الذي لا يتجاوز تعداده 11 ألفا و200 عنصر، والمصنف في المرتبة 117 عالميا، بحسب موقع «غلوبل فاير باور» الأمريكي، يجد صعوبة في طرد نحو 800 عنصر من «داعش»، من المدن والقرى والجزر التي استولى عليها خلال السنوات الأخيرة.
وتمكن هذا التنظيم المتطرف المتحصن بالأدغال من الاستيلاء على مناطق واسعة شمالي البلاد، بينها جزيرتان في المحيط الهندي، لكن أهمها ميناء «موكيمبوا دا برايا» الاستراتيجي، الذي كان يستخدم في تموين استثمارات الغاز ببالما.
ورغم نجاح الجيش الحكومي من طرد مسلحي «أنصار السنة» من مدينة «موكيمبوا دا برايا»، مرتين أولهما في أكتوبر 2017، إلا أنه عجز عن طرد «داعش» من المدينة بعد استلائه عليها للمرة الثالثة في أغسطس 2020.
وشكل سقوط «موكيمبوا دا برايا»، التي يقطنها 100 ألف نسمة، نكسة للجيش الموزمبيقي، الذي أخفقت محاولاته العنيفة لاسترجاعها طيلة الأشهر الماضية.
فـ»أنصار السنة» أو «حركة الشباب»، التي كانت تعتمد في هجماتها على أسلوب حرب العصابات بشكل أساسي، طورت أساليبها في القتال بعد انضمامها إلى «داعش» في 2019، وأصبحت تسعى للاستلاء على المدن وحقول الغاز.
وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه «داعش» في العراق وسوريا وليبيا، وأثبت فشله بعد تدخل عسكري دولي قوي مع الاستعانة بقوات محلية.
وقدرة التنظيم على السيطرة على مدينة كبيرة على المحيط الهادئ بحجم «موكيمبوا دا برايا»، أو بالما، يعني أنه تلقى دعما ما من التنظيم الأم أو من جهات خارجية، سواء أسلحة نوعية، أو عناصر مدربة أو حتى دعم لوجستي في مجال التدريب والتخطيط.
وتسببت هجمات «داعش» في عرقلة مشاريع تصدير الغاز، التي تأمل موزمبيق أن تنقلها من أفقر 10 دول في العالم إلى نادي الدول الأغنى في إفريقيا.
وإذا لم يتم احتواء تمرد «داعش» بكابو ديلغادو في المهد فإن كامل منطقة إفريقيا الجنوبية والبحيرات الكبرى ستكون تحت تهديد تمدد الخطر الإرهابي، على غرار ما حدث لدول الساحل (مالي والنيجر وبوركينافاسو)، وبلدان بحيرة تشاد (نيجيريا، تشاد، النيجر وبنين والكاميرون).