طالبان تحتفل بانتصارها على الولايات المتحدة في أفغانستان
( ا ف ب ) – أطلق مقاتلو طالبان النار في الهواء احتفالاً بانتصارهم على الولايات المتحدة وعودة الحركة إلى الحكم، بعد حرب دامت عشرين عاماً ودمّرت أفغانستان.
وغادر آخر ستة آلاف جندي أميركي كانوا يشرفون على عملية إجلاء أجانب وأفغان عملوا لصالح دول أجنبية، مطار كابول ليل الاثنين الثلاثاء، ما ينهي حربا قوّضت مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى.
ودخل مقاتلو طالبان بسرعة مطار كابول وأطلقوا الرصاص في الهواء ابتهاجاً، في عودة مذهلة إلى الحكم بعدما غزت القوات الأميركية عام 2001 البلاد وأطاح بحكم الإسلاميين المتشددين لدعمهم تنظيم القاعدة.
صرح المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد للصحافيين بعد ساعات من دخول الحركة المطار، "نهنئ أفغانستان (…) إنه نصر لنا للجميع". وأضاف أن "الهزيمة الأميركية درس كبير لغزاة آخرين".
وتعهّدت طالبان مراراً بأن تكون أكثر تسامحاً وانفتاحاً مما كانت عليه في فترة حكمها السابق، وكرّر ذلك المتحدث مرة جديدة. فقال "نريد علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والعالم. ونرحب بعلاقات دبلوماسية جيدة معهم جميعا".
ويخشى عدد كبير من الأفغان أن تعيد طالبان فرض حكمها السابق نفسه (1996-2001) الذي كان معروفاً بسوء معاملة الفتيات والنساء وكذلك بنظامه القضائي الوحشي.
– تهديد –
جاء الانسحاب الأميركي قبل يوم واحد من موعد 31 آب/أغسطس الذي حدّده الرئيس الأميركي جو بايدن لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في التاريخ قتل خلالها أكثر من 2400 جندي أميركي.
وتلا الانسحاب المبكر تهديداً من جانب تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خرسان، خصم طالبان، الذي كان يسعى لمهاجمة القوات الأميركية في المطار.
وقُتل مئة شخص بينهم 13 جندياً أميركياً في تفجير انتحاري نفّذه التنظيم المتشدد الأسبوع الماضي في محيط المطار، حيث كان يحتشد أفغان آملين في الصعود على متن رحلة إجلاء.
وأُجلي أكثر من 123 ألف شخص من كابول عبر جسر جوي بقيادة الولايات المتحدة، أُقيم بعيد دخول طالبان إلى العاصمة في 14 آب/أغسطس.
وأعلن بايدن أنه سيتوجّه إلى الأمة بكلمة الثلاثاء في واشنطن، في ظلّ استمرار تعرّضه لانتقادات لاذعة لإدارته عملية الانسحاب من أفغانستان.
وقال السيناتور الجمهوري ريك سكوت "لا يمكننا خوض حروب لا تنتهي، لكن نطاق وعواقب فشل بايدن هنا مذهل".
واعتبر العضو في الكونغرس الأميركي ريتشارك هودسون أن "الرئيس بايدن جلب عاراً كبيراً للشعب الأميركي".
من جانبه، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ "أيّ شرعية وأيّ دعم يجب أن يُكتسبا"، معلناً أن الولايات المتّحدة علّقت وجودها الدبلوماسي في أفغانستان ونقلت عمليات سفارتها من كابول إلى العاصمة القطرية الدوحة.
– انعدام أمن في المطار –
تتجه كافة الأنظار حالياً إلى الطريقة التي ستتصرف بها طالبان في أيامها الأولى وحيدةً في السلطة، مع التركيز الشديد على ما إذا كانت ستسمح لأجانب وأفغان آخرين بمغادرة البلاد.
ولفت بلينكن إلى أنّ عدداً ضئيلاً من رعايا بلاده، "أي ما بين مئة ومئتي أميركي"، لا يزالون في هذا البلد ويريدون المغادرة.
ويرغب أيضاً في المغادرة آلاف الأفغان الآخرين الذين عملوا لصالح الحكومة الأفغانية السابقة التي كانت مدعومة أميركياً إذ يخشون التعرض لانتقام من جانب طالبان.
وأعربت الدول الغربية عن حزنها في الأيام الأخيرة لعدم تمكن جميع الأفغان الذين أرادوا الفرار من الصعود على متن رحلات إجلاء.
وتبنى مجلس الأمن الدولي الإثنين قرارا يدعو طالبان إلى احترام "التزاماتها" من أجل خروج "آمن" لكل الذين يردون مغادرة أفغانستان وضمان مساعدة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في إيصال المساعدات.
في المقابل لا يشير القرار إلى "منطقة آمنة" أو محمية كان قد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد أن باريس ولندن ستدعوان في الأمم المتحدة إلى إنشائها في كابول للسماح خصوصا بمواصلة "العمليات الإنسانية".
وتجري مفاوضات حول الجهة التي ستدير مطار كابول في المرحلة المقبلة.
طلبت طالبان من تركيا التكفل بالأمور اللوجستية فيما ستهتمّ الحركة بضبط الأمن، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يقبل العرض بعد.
وليس واضحاً في الوقت الحالي أي شركات طيران ستوافق على تسيير رحلات من وإلى كابول.
– مدنيون قتلى –
شكل تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خرسان أكبر تهديد لانسحاب القوات الأجنبية، بعدما شنّ الهجوم الانتحاري في محيط المطار الأسبوع الماضي.
وتبنى التنظيم الاثنين إطلاق ستة صواريخ على المطار، لكنها لم تؤثر على عمليات الاجلاء التي استمرت "بدون توقف" بحسب البيت الأبيض. وقال مسؤول من طالبان في المكان أن الصواريخ أوقفها نظام الدفاع المضاد في المطار.
في استمرار لمآسي المدنيين الذين قُتلوا في الحرب، تبيّن أن الغارة الجوية الأميركية التي استهدفت الأحد سيارة يُزعم أنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في كابول تسببت بمقتل أطفال.
وأعلنت الولايات المتحدة الأحد أنها شنّت غارة بطائرة مسيّرة ضد آلية كانت تمثل "تهديداً وشيكاً" لمطار كابول.
وقال أفراد عائلة واحدة لوكالة فرانس برس إنهم يعتقدون أن خطأً فادحاً ارتُكب وقد قُتل عشرة مدنيين.
وأكد أيمال أحمدي لفرانس برس أن "شقيقي وأطفاله الأربعة قُتلوا. فقدتُ ابنتي الصغيرة… وأبناء وبنات أخي".
في سياق متصل، أعلن الجيش الأميركي أنّه أعطب قبل انسحابه من مطار كابول ليل الإثنين طائرات وآليات مدرّعة ومنظومة دفاعية مضادّة للصواريخ.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي خلال مؤتمر صحافي إنّ قواته "نزعت سلاح" هذه الأعتدة أي أعطبتها وجعلتها غير قابلة للتشغيل مرة أخرى.
وأضاف الجنرال ماكنزي الذي تتبع أفغانستان لنطاق عمليات قيادته أنّ العتاد الذي تمّ تعطيله يشمل 73 طائرة، مؤكّداً أنّ "هذه الطائرات لن تحلّق مرة أخرى".
وأضاف "لن يتمكّن أحد من استخدامها"، مشيراً إلى أنّ "معظمها كان أصلاً خارج الخدمة (…) لكن من المؤكّد أنّها لن تتمكّن من الطيران مرة أخرى".
وأوضح الجنرال ماكنزي أنّ الجيش الأميركي الذي نشر ستّة آلاف جندي للسيطرة على مطار كابول وتشغيله اعتباراً من 14 أغسطس بغية تأمين جسر جوّي لإجلاء عشرات آلاف الرعايا الأميركيين والأجانب وطالبي اللجوء الأفغان، ترك أيضاً خلفه في المطار 70 عربة مصفّحة مقاومة للألغام – تبلغ كلفة الواحدة منها مليون دولار – و27 مركبة هامفي مدرّعة خفيفة.
وقال ماكنزي إنّ كلّ هذه الآليات تمّ إعطابها وإخراجها من الخدمة وبالتالي "لن يتمكّن أحد من استخدامها مجدّداً".
وأضاف أنّ الجيش الأميركي ترك خلفه أيضاً منظومة دفاع صاروخي من طراز "سي-رام" كان قد نصبها لحماية مطار كابول، وهي المنظومة التي اعترضت الإثنين خمس هجمات صاروخية شنّها تنظيم الدولة الإسلامية على المطار، مشيراً إلى أنّ صعوبة تفكيكها حتّمت في النهاية تدميرها.
وقال الجنرال ماكنزي "اخترنا ترك هذه الأنظمة في الخدمة حتّى اللحظة الأخيرة" أي قبيل إقلاع آخر طائرة من مطار كابول.
وأوضح أنّ "تفكيك هذه الأنظمة إجراء معقّد ويستغرق وقتاً طويلاً، لذلك قمنا بنزع سلاحها حتى لا يتمّ استخدامها مرة أخرى".