رمضان أوكرانيا.. صلوات «محظورة» ومسلمون بين النزوح والحصار ومخاوف «الاحتلال»
السعادة المعهودة بحلول شهر رمضان المبارك غائبة عن مشاعر مسلمي أوكرانيا اليوم، فكثير منهم يقفون أمامه بآلام كالجبال على أكتافهم، وعيون أرهقها البكاء حزنا على ترك البيوت أو تدميرها، وعلى فراق الأحبة أو فقدانهم، أو حتى بأجساد فرض عليها الحصار صيامه الخاص، الذي لا رغبة لهم فيه ولا بركة.
ولكل مسلم أوكراني اليوم قصة خاصة كتبتها أيام الحرب المستمرة منذ 24 فبراير الماضي، يحكيها بحسرة مع بداية رمضان، معلقا على بركة هذا الشهر أملا بفرج قريب، وفقاً لـ «الجزيرة نت».
بعد النزوح عن شبه جزيرة القرم عام 2014 إلى منطقة زاباروجيا جنوب شرقي البلاد، تقف اليوم القرمية التترية أنيفي (45 عاما)، مع ابنيها اليتيمين، أمام واقع جديد، يهددها -ربما خلال شهر- بمشوار نزوح جديد، بعد أن باتت أجزاء واسعة من زاباروجيا محل اهتمام القوات الروسية.
أما أولغا، المسلمة الأوكرانية التي خرجت مع أسرتها في أولى أيام الحرب من مدينة إربين في الضواحي الشمالية الغربية للعاصمة كييف، فهي مصدومة اليوم من رؤية صور دمار مدينتها وبيتها بعد انسحاب القوات الروسية؛ حتى بات الحزن يطغى على مشاعر الفرح بحلول الشهر أيضا.
أجواء الحرب
وقد فرضت الحرب نفسها على أجواء شهر الصيام، بدءا من أدق تفاصيله إلى أهمها، فمحت بذلك كل شيء تعوّد عليه مسلمو هذه البلاد، الذين تقدر أعدادهم اليوم بنحو مليون نسمة، بعد احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014.
أما إمساكيات الصيام، فباتت عبارة عن صور إلكترونية حصرا؛ إذ لن تعلق على جدران البيت أو أبواب الثلاجات، ولن يتراكض الأطفال إليها كل فترة لمعرفة كم تبقى من وقت حتى انتهاء موعد السحور أو قرب موعد الإفطار.
في حين أن المساجد والمراكز الإسلامية في معظم أرجاء البلاد مغلقة، فلا دروس ولا مواعظ ولا تجمعات إفطار جماعي باتت جزءا من الأجواء والتقاليد الرمضانية الأوكرانية، ولا صلوات تراويح وتهجد وضجيج أطفال يتخللها، في ظل حظر التجول القائم.
وربما الأقسى من ذلك كله، أن كثيرا من الأسر المسلمة تصوم وتصلي وحيدة في منازلها بمدن محاصرة، في ظل صعوبة الحصول على مؤن وسلع غذائية؛ أو متفرقة عن بعضها البعض، بين رجال يقاتلون، ونساء وأطفال نازحين ولاجئين في مناطق الغرب أو دول الجوار.
مبادرات محدودة
وفي محاولة للتخفيف عن مسلمي البلاد، أطلقت منظمات إسلامية في أوكرانيا عدة مبادرات وبرامج، لخلق أجواء رمضانية خاصة بهم في ظل الحرب، لكنها محدودة جدا في ظل الظروف الراهنة.
وقد أطلق مجلس مسلمي أوكرانيا حملة لجمع التبرعات وتوزيع طرود غذائية على المدن المحاصرة بحسب المستطاع، وينظم، بالتعاون مع “الهيئة الأوكرانية لتعليم القرآن الكريم”، والإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا “أمّة”، سلسلة دروس ومحاضرات عبر تقنية الفيديو في شبكة الإنترنت.
يشكو رئيس المجلس، سيران عريفوف، قلة الحيلة فيقول -للجزيرة نت- “نعاني قلة الأموال، وصعوبة استلامها إن تعهد بها متبرعون، ثم إيصالها أو تأمين مساعدات عينية للمحتاجين. نسأل الله العون، والفرج القريب على المسلمين والبلاد في هذا الشهر الفضيل”.
مخاوف متجددة
ويأتي رمضان على مسلمي أوكرانيا في ظل مخاوف “احتلال جديد” من روسيا لبعض مناطق جنوبي وجنوب شرقي أوكرانيا التي يعيش فيها المسلمون بأعداد كبيرة نسبيا.
ويتمثل الأمر في الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في منطقتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، ومناطق زاباروجيا المجاورة، وخيرسون شمال شبه جزيرة القرم، التي لمحت كييف إلى أن موسكو تعتزم تحويلها إلى “جمهوريات شعبية” موالية.
وتقدر أعداد المسلمين في تلك المناطق بنحو 300 ألف نسمة، منهم نحو 100 ألف نزحوا عن القرم ومناطق الصراع عام 2014، بحسب تصريح سابق أدلى به -للجزيرة نت- رئيس “مركز موارد تتار القرم”، إسكندير بارييف.
يقول رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا عريفوف “شاء القدر أن يكون مسلمو أوكرانيا أكثر المتضررين من الحرب الجارية، بحكم أنهم موزعون على تلك المناطق أكثر من غيرها. وشاء القدر أن تستهدف بالقصف 3 مراكز إسلامية ومساجد لهم في تلك المناطق أيضا خلال أيام الحرب”.
وتابع “الأمر لا يتعلق بمخاوف الاحتلال فقط، بل بتداعيات خطيرة ناجمة عنه، كموجات النزوح الجديدة، وعمليات الاضطهاد والاعتقال وإغلاق المؤسسات الدينية والتعليمية الخاصة بالمسلمين، تماما كما حدث ويحدث في إقليم دونباس الانفصالي وشبه جزيرة القرم المحتلة”، على حد قوله.