شبح الحرب يعود بين صربيا وكوسوفو
• الناتو يعلن استعداده للتدخل في حال هُدّد استقرار المنطقة
• تركيا: اندلاع أي توترات في المنطقة لن يعود بالفائدة على أي طرف
شهدت بلديات شمال كوسوفو، على الحدود مع صربيا، توترات واسعة، بعد إقدام أفراد من الأقلية الصربية، المتمركزة ديموغرافياً في تلك المناطق، على حشد عدد من الشاحنات والآليات الثقيلة على الطرق المؤدية إلى معبرَي يارينجي وبرنجاك الحدوديين، بهدف غلقهما أمام حركة المرور.
يأتي ذلك احتجاجاً على إجراءات أعلنتها الحكومة الكوسوفية سابقاً، بشأن استئناف مطالبة أصحاب المركبات التي تدخل من صربيا بأن تستبدل باللوحات المسجلة في صربيا لوحات من كوسوفو، بداية من 1 أغسطس الجاري، معللة القرار بأنه «تدبير للمعاملة بالمثل»، بقدر ما تطلب بلغراد بدورها ذلك من المواطنين الكوسوفيين، وفقاً لـ «TRT».
وقالت الشرطة الكوسوفية، التي أقامت لجان مراقبة بالقرب من مناطق الاحتجاج، إن أعيرة نارية أُطلقَت «باتجاه وحدات الشرطة، لكن لحسن الحظ لم يُصَبْ أحد»، كما أن عدداً من المتظاهرين الغاضبين اعتدى بالضرب على عديد من الألبان الذين كانوا يمرُّون على الطرق التي أُغلقَت، وبعض السيارات تَعرَّض للهجوم.
ودوّت صفارات الإنذار لأكثر من ثلاث ساعات في بلدة ميتروفيتشا الصغيرة شماليّ كوسوفو، التي يشكّل الصرب أغلب سكانها، تحسُّباً لوقوع غارات جوية صربية. وكانت المقاتلات التابعة لبلغراد نفّذت طلعات جوية قرب الحدود الكوسوفية العام الماضي، تزامناً مع أحداث مشابهة.
من جهتها قالت البعثة التي يقودها حلف شمال الأطلسي في كوسوفو في بيان، إن «الوضع الأمني العام في بلديات كوسوفو الشمالية متوتر»، موضحة استعدادها للتدخل في حال هُدّد استقرار المنطقة.
واتهمت كوسوفو صربيا بمحاولة زعزعة استقرار أمنها، وحمّل رئيس وزرائها ألبين كورتي، الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، مسؤولية تصاعد التوتر، قائلاً إن «فوتشيتش هو المجرم الرئيسي في أعمال الشغب» التي تحدث في البلاد، كما حذّر من أن «ساعات الأيام والأسابيع القادمة قد تكون صعبة وإشكالية»، إذ «نواجه شوفينية قومية صربية معروفة جيداً لنا» حسب وصفه.
واعتبر كورتي أن «هذه الأعمال العدوانية التي حدثت اليوم جرى التخطيط لها والتحريض عليها»، ودافع عن قرار حكومته بالقول: «إصدارنا وثائق الخروج والدخول (للبلاد) عند المعابر الحدودية مع صربيا (بموجب قانون جديد) لم يبدأ بعد، لكن الكيانات الصربية غير الشرعية في الشمال بدأت إقامة حواجز الطرق وإطلاق النار».
من جانبه أكّد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في وقت متأخر الأحد، أهمية مواصلة الحوار بين بلاده وكوسوفو وبدء حل المشكلات «سلمياً» بينهما، مشدداً على أن بلاده ستعمل على تهدئة الوضع على حدود كوسوفو «مهما بلغت صعوبته، وستنتصر ولن تستسلم».
وأضاف فوتشيش: «ناشدنا الممثلين الدوليين بذل كل ما في وسعهم لوقف التوترات على حدود كوسوفو».
وقررت الحكومة في بريشتينا إرجاء العمل بقرارها بشأن فرض استبدال لوحات الترقيم والوثائق الشخصية الصربية، شهراً واحداً، بعد أن كان من المقرر تطبيقه الاثنين، إثر مشاورات مع سفراء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي خضمّ ردود الأفعال حول التوترات شمال كوسوفو، قالت المبعوثة الخاصة للأمين العامّ للأمم المتحدة في كوسوفو كارولين زيادة، إنها تتابع التطورات في شمال كوسوفو بقلق، داعية إلى الهدوء واستعادة حرية الحركة وتجنب مزيد من التصعيد. وأضافت: «أحثّ الجميع على معالجة القضايا العالقة بحسن نية من خلال الحوار الذي ييسّره الاتحاد الأوروبي، لتعزيز الاستقرار والأمن للجميع».
وعلى لسان الناطقة باسمها ماريا زاخاروفا، اعتبرت الخارجية الروسية أن هذه التوترات «دليل على فشل الوساطتين الأوروبية والأمريكية في حل النزاع بكوسوفو»، ودعت زاخاروفا «بريشتينا ووراءها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى وقف الاستفزازات واحترام حقوق الصرب في كوسوفو».
من جهته أبلغ وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو نظيريه الصربي والكوسوفي استعداد تركيا لبذل جهود لخفض التوتر بين البلدين. وأكّد جاوش أوغلو في تغريدة له أن «تركيا دائماً تولي السلام والاستقرار في منطقة البلقان أهمية كبيرة»، وذكّر أن «اندلاع أي توترات في المنطقة لن يعود بالفائدة على أي طرف»، مشدداً على «ضرورة التحلي بضبط النفس».
صربيا وكوسوفو.. احتقان مستمرّ
وقبل التطورات الأخيرة شهدت المحادثات الصربية-الكوسوفية التي يرعاها الاتحاد الأوروبي جموداً يهدّد بفشلها، وتجدد التوتر بين البلدين في مارس الماضي إثر منع حكومة كوسوفو نظيرتها الصربية إجراء الاقتراع الرئاسي المرتقَب داخل أراضيها، معتبرةً ذلك انتهاكاً لسيادتها ودستورها.
وشهدت آنذاك بلدات شمالي كوسوفو مظاهرات حاشدة تندّد بقرار برشتينا، حمل خلالها المحتجون لافتات كُتب عليها «نريد حقوقنا الإنسانية» و»كورتي، لن تطردنا من كوسوفو». وردَّت الحكومة الكوسوفية بأنه «كان على صربيا الاتفاق معنا أولاً قبل الدفع بإجراء الاقتراع، لا أن تتصرف كأن كوسوفو لا حكومة فيها».
ولا تزال صربيا متشبّثة بموقفها غير المعترف باستقلال كوسوفو، فيما يعيش نحو 50 ألفاً من الصرب في البلدات الشمالية الكوسوفية. وتفرض بلغراد على الكوسوفيين العابرين إلى أراضيها تغيير لوحات ترقيم سياراتهم المسجلة في كوسوفو، مما أدّى إلى نشوب نزاع مماثل للتوترات الأخيرة، في سبتمبر/أيلول الماضي، حينما أعلنت برشتينا معاملة الصرب بالمثل.
في المقابل، حسب ما كشفته تحقيقات صحفية سابقة، تُجري السلطات الصربية تدقيقاً ممنهجاً ومكثَّفاً لإقامات الأقلية الألبانية في صربيا، وتحذف أصحابها من اللوائح المدنية، وبالتالي تحرمهم أوراق الثبوتية فجأة بلا سابق إنذار، إذ لا يُشعَر أولئك الأشخاص بمصير وضعيتهم القانونية تلك، حتى يُفاجَؤوا بتجريدهم من بياناتهم الوطنية.
وتعود بداية هذه العملية إلى عام 2016، حين كان الرئيس الحالي ألكسندر فوتشيتش في رئيس الحكومة، وكانت حكومته أول من أطلقها، واستمرّت طوال سنوات رئاسته. كما يرى مراقبون أنها لعبت دوراً في حصده الفوز بولاية رئاسية ثانية.