إعلاميون كويتيون يستحضرون ذكرياتهم مع الغزو العراقي الغاشم
ليبقى نداء «هنا الكويت» صادحاً بالحق
(كونا) – حلت الجمعة الذكرى الـ34 للغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت في فجر الثاني من أغسطس 1990 لنستذكر معها البطولات الوطنية التي سطرها أبناء الشعب الكويتي ومن بينهم شخصيات إعلامية شكلت سدا منيعا في وجه أكاذيب الغزاة وادعاءاتهم وظلوا صوتا يصدح بالحق ليسطروا قصة إباء وطني.
وفي معرض تسجيل أحداث تلك الفترة استحضر عدد من الإعلاميين الكويتيين ممن كانت لهم وقفات وطنية راسخة إبان الغزو في لقاءات مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم ذكرياتهم لتلك الأيام وكيف حافظوا على استمرار بث إذاعة وتلفزيون دولة الكويت ليبقى نداء (هنا الكويت) صادحا عبر الأثير لا يتوقف.
وقال الإعلامي فريح العنزي لـ(كونا) إنه مع الساعات الأولى من صباح يوم الغزو تلقى اتصالا من مدير إذاعة دولة الكويت حينئذ عبدالرحمن الهادي طالبه فيه بالتوجه إلى معسكر (جيوان) بوزارة الدفاع بعدما سيطرت القوات العراقية على مبنى وزارة الإعلام.
وأوضح العنزي (مدير المذيعين في الإذاعة آنذاك) أنه “حينما ذهبت إلى معسكر (جيوان) دخلت من بوابته الجنوبية فيما سيطر الجنود العراقيون على البوابة الشمالية وحين وصولي وجدت غرفة كبيرة بها ميكروفون وأشرطة أغاني وطنية فقط ولم تكن هناك أي أجهزة لمتابعة الأخبار من وكالات الأنباء العالمية أو غيرها لنتعرف عما يحدث في داخل البلاد أو خارجها”.
وأضاف “تحدثت وقتها مع وكيل الإذاعة آنذاك الدكتور عبدالعزيز المنصور حول ما هو المطلوب بثه؟ ليوجهني بدوره إلى التركيز والتأكيد على الشرعية الكويتية بقيادة أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وولي العهد آنذاك الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح – طيب الله ثراهما – وأن الكويت دولة مستقلة مع إيصال رسائل (نخوة) للوطن العربي والتذكير بأعمال الكويت الخيرة”.
وأوضح أن اعتداءات القوات العراقية الغازية اشتدت على المعسكر حتى وصلت إلى غرفة البث الإذاعي و”اضطررنا لإيقاف البث من هذا الاستديو ونقله إلى محطة الإرسال في منطقة (كبد) فيما بقينا هناك حتى يوم الجمعة 3 أغسطس لصعوبة الخروج من المعسكر حتى استطعنا التسلل لخارجه سالمين”.
واستدرك قائلا “توجهت بعد ذلك إلى منطقة (الخفجي) في المملكة العربية السعودية لأنضم إلى عدد من الزملاء حيث استؤنف بث الإذاعة لفترة قصيرة انتقلنا بعدها إلى محطة إرسال في منطقة (أبو حدرية) شرقي المملكة وعملنا فيها لفترة ثم انتقلنا إلى محطة أكبر في (الدمام) فيما طلب مني بعد ذلك الانضمام إلى مجموعة من قوات التحالف أنشأت حينها إذاعة أطلق عليها اسم (صوت الخليج) تبث رسائل موجهة للجنود العراقيين واستمر عملي هناك حتى تحرير دولة الكويت”.
من جهته قال الإعلامي يوسف مصطفى لـ(كونا) إنه مع الساعات الأولى للثاني من أغسطس 1990 تلقى اتصالا هاتفيا من المخرج منصور المنصور رحمه الله أخطره خلاله بدخول قوات الغدر العراقية أراضي دولة الكويت فيما تلقى اتصالا آخر من وكيل الإذاعة حينئذ الدكتور عبدالعزيز المنصور الذي طالبه بالتوجه إلى (افتح يا سمسم) في إشارة إلى الاستوديو الموجود في منطقة الدسمة حيث كان يسجل برنامجا يحمل الاسم نفسه واستطرد قائلا “ثم ودعت أهلي الذين لم ألتق بهم إلا بعد تحرير دولة الكويت من براثن الغزاة. ولدى وصول جميع الزملاء كان الإرسال قد انقطع من استديو معسكر (جيوان) في حوالي التاسعة صباحا وأخذنا البث لنحض الكويتيين على الثبات ونستصرخ النخوة في وجدان العرب والمنظمات العالمية”.
وأوضح مصطفى أنه “من خلال استديو (الدسمة) قمنا ببث كلمة لسمو ولي العهد آنذاك المغفور له بإذن الله تعالى الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح سجلناها عن طريق الهاتف الأرضي طمأن – طيب الله ثراه – خلالها الشعب الكويتي على سلامة قيادته وبثت تلك الكلمة روح الطمأنينة والتفاؤل لدى الشعب الكويتي بعودة وطنه حرا إن شاء الله”.
وأضاف أن “العمل في استديو (الدسمة) استمر إلى ظهر يوم الجمعة 3 أغسطس خاصة أن الإرسال قد انقطع من المحطات الإذاعية (جيوان) و(كبد) و(الروضتين) و(الصباحية) و(المطلاع) وهي محطات البث الرئيسية ولم تتبق سوى محطة جزيرة (فيلكا) المربوطة مع استديو (الدسمة)”.
وأوضح أنه رغم محاولات القوات العراقية لتتبع إشارة الإرسال إلا أنه قام والإعلامية سلوى حسين بالظهور على شاشة التلفاز “حتى جاءت التوجيهات بعدم الظهور لما يشكله من خطر كبير على حياتنا والاكتفاء بوضع صورة سمو أمير البلاد وسمو ولي العهد – طيب الله ثراهما – على الشاشة والتعليق صوتا فقط”.
وأشار مصطفى إلى أنه “بعد رصد العراقيين محطة البث في جزيرة (فيلكا) طلب منا إخلاء استديو (الدسمة) وقمنا بعدها بالعديد من المحاولات منها انتقالنا إلى منزل الشيخ محمد اليوسف الصباح كونه من هواة اللاسلكي حيث عملنا على استخدام ما يملكه من أدوات الاتصال اللاسلكية وقمنا بالبث لكنه لا يصل إلا للمناطق القريبة حولنا مثل (بيان) و(الرميثية) و(سلوى)”.
واستدرك قائلا “انتقلنا بعد ذلك إلى منزل الراحل توفيق الأمير – رحمه الله – في منطقة (صباح السالم) مع عدد من الزملاء الإعلاميين منهم علي حسن وسلوى حسين وأزور ياسين ومنصور المنصور وكنا نوصل أرقام الموجات التي نبث عليها عبر الهاتف ذلك جاءتنا التوجيهات من القيادة السياسية بالتوجه إلى أحد منازل المقاومة الكويتية في منطقة (قرطبة) حيث تسللنا إلى هناك ليلا نحمل معنا جميع المواد الاعلامية التي نملكها والأوراق التي فيها جميع النداءات التي كنا نوجهها”.
وزاد مصطفى قائلا “بعد عدة أيام تم تجهيز سيارتين لتخرجنا أنا والزملاء إلى منطقة (الخفجي) في المملكة العربية السعودية برا وقمنا باستخدام محطة إرسال في (الخفجي) يصل بثها إلى المنطقة الجنوبية من دولة الكويت وذلك لمدة ثلاثة أيام انتقلنا بعدها إلى محطة إرسال (راس الزور) في (أبو حدرية) واستمررنا في العمل فيها لمدة ليست بالقصيرة”.
وأضاف مصطفى “بعد ذلك تم تجهيز إذاعة محلية في منطقة (الدمام) قمنا بالبث منها رغم محاولات الجيش العراقي التشويش على إرسالنا حتى تم إنشاء المركز الإعلامي الكويتي في القاهرة الذي قام بإمدادنا بمواد إعلامية وأرشيف لنستخدمه في عملنا ثم انتقلنا بعد ذلك للعمل من العاصمة السعودية الرياض حيث اتفقت دول الخليج على منح الكويت مساحة لبث رسائل إعلامية عبر قنواتها الرسمية وقمنا كمجموعة إعلاميين كويتيين ببث رسائل وأخبار وبرامج إعلامية لخدمة قضيتنا العادلة حتى من الله علينا بالتحرير وعودة الشرعية الكويتية.
بدوره استذكر الإعلامي علي حسن تلك الفترة وقال لـ(كونا) أخذنا على أنفسنا عهدا ألا ينقطع نداء (هنا الكويت) حتى مع الغزو العراقي الغاشم مبينا أن “توجيهات القيادة التي كانت على اتصال دائم معنا خاصة حينما كنا نعمل في محطة إرسال (راس الزور) بمنطقة (ابو حدرية) بأن تكون رسالتنا راقية كما هو الخطاب الإعلامي الكويتي وأن يكون خطابا رسميا موجها للداخل والخارج”.
وأوضح حسن أنه مع عمل الإعلاميين الكويتيين من الاستديو في (الدمام) السعودية “جاءتنا التوجيهات بتقديم البرامج التي كانت تتميز بها إذاعة دولة الكويت مثل (جهينة) و(صباح الخير) و(مساء الخير) و(نجوم القمة) وغيرها رغم محدودية ساعات البث لكن كنا نقدم كل ما نستطيع ليستمر الإعلام الكويتي صادحا بالحق”.
وأضاف “توجهنا بعد ذلك إلى العاصمة السعودية (الرياض) وقدمنا رسالة تلفزيون دولة الكويت التي تم بثها عبر محطات دول الخليج والدول العربية” مستدركا “كان الإعلامي الكويتي خليل إبراهيم – رحمه الله – يمدنا من المركز الإعلامي الكويتي الذي تم انشاؤه في العاصمة المصرية (القاهرة) بما نحتاجه من مواد إعلامية ومعلومات ولقاءات وكذلك المركز الإعلامي الكويتي في العاصمة البريطانية (لندن) كان يرسل أيضا الأخبار والتقارير التي كنا نبثها ونطمئن الناس بها”.
ولفت حسن إلى أن “دول الخليج اتفقت على أن تكون هناك رسالة لتلفزيون دولة الكويت حيث تم اختياري كمذيع واختيار المخرج منصور المنصور رحمه الله لنقدم رسالة التلفزيون وتنقل عبر قنوات دول مجلس التعاون يوميا لمدة نصف ساعة حيث وفر الأخوة في المملكة العربية السعودية كل ما يلزمنا من التسهيلات ومن ثم انضم لنا عدد من الزملاء الإعلاميين منهم الإعلامي يوسف مصطفى والإعلامي عامر العجمي (رئيس قطاع الشؤون المحلية الناطق الرسمي باسم الحكومة حاليا)”.
واستدرك قائلا “كنا نوجه رسائل إلى أهلنا في داخل الكويت تتناول التوجيهات والتعليمات للحفاظ على سلامتهم واستمرت حتى بعد تحرير دولة الكويت من الغزاة الغاشمين حيث نقلنا الرسالة عبر زميلينا الإعلاميين محمد القحطاني وحميد خاجه اللذين دخلا مع القوات المسلحة إلى الكويت ونقلا الصورة من الداخل ووجها رسائل عديدة الى أهلنا في الكويت خاصة لسلامتهم”.
وشدد على أنه “بمثل هذه التضحيات وبتكاتف القيادة والشعب الكويتي وبوقفة الدول الشقيقة والصديقة عادت الكويت كما كانت درة غالية ودار سلام ومحبة وإخاء حرة أبية أثبت أهلها عمق محبتهم لها وولاءهم لقادتهم ووفاءهم لمن وقف معهم في محنتهم فيما تبقى أغلى التضحيات تلك التي سقت أرض الوطن بالدماء من شهداء الكويت الأبرار سائلين الله تعالى أن يسكنهم فسيح الجنان وكذلك أسرانا الذين نرجو الباري عز وجل أن يحفظهم ويعيدهم إلى أهلهم ووطنهم سالمين ولتبقى كل تلك الأحداث نبراسا للأجيال ليقتدوا بمن سبقوهم حبا وفداء للوطن”.