منوعات

باحثون يطورون مادة جديدة قد تعالج الغضاريف التالفة

مصممة لمحاكاة البيئة الطبيعية للغضروف داخل الجسم

طوّر علماء من جامعة «نورث وسترن» الأميركية مادة حيوية نشطة نجحت في تجديد غضروف عالي الجودة في مفاصل الركبة لنموذج حيواني كبير، في خطوة تعد إنجازاً كبيراً في مجال الطب التجديدي.

وعلى الرغم من أن هذه المادة المبتكرة تبدو وكأنها مطاطية ولزجة، إلا أنها عبارة عن شبكة متطورة من المكونات الجزيئية المصممة لمحاكاة البيئة الطبيعية للغضروف داخل الجسم.

ويشكل تلف الغضروف، الناتج غالباً عن إصابة أو أمراض تنكسية مثل هشاشة العظام، تحدياً طبياً كبيراً، وعلى عكس الأنسجة الأخرى، فإن الغضروف لديه قدرة محدودة على الإصلاح الذاتي، بسبب طبيعته غير الوعائية وانخفاض خلويته.

وتقدم العلاجات التقليدية، بما في ذلك التدخلات الجراحية والعلاج الطبيعي راحة محدودة، ولا تعالج السبب الجذري للمشكلة.

وتُمثّل المادة الحيوية النشطة التي طورها علماء بجامعة نورث وسترن، نهجاً جديداً يختلف عن الأساليب التقليدية.

وتتكون هذه المادة من شبكة معقدة من المكونات الجزيئية، وهي مصممة لمحاكاة البيئة الطبيعية للغضروف، ويسهل هيكلها الفريد دمج المادة مع أنسجة الجسم، ما يعزز عمليات الشفاء الطبيعية.

وفي الدراسة الجديدة، المنشورة بدورية الأكاديمية الأميركية للعلوم، عمل الباحثون على تطبيق المادة على الغضاريف التالفة في مفاصل ركبة الحيوانات.

وفي غضون 6 أشهر فقط، لاحظ الباحثون أدلة على الإصلاح المعزز، بما في ذلك نمو غضاريف جديدة تحتوي على البوليمرات الحيوية الطبيعية، الكولاجين والبروتيوجليكان، والتي تمكن المرونة الميكانيكية الخالية من الألم في المفاصل.

وأفاد الباحثون بأن المادة الجديدة يمكن استخدامها يوماً ما لمنع جراحات استبدال الركبة بالكامل، وعلاج الأمراض التنكسية، مثل هشاشة العظام، وإصلاح الإصابات الرياضية، مثل تمزقات الرباط الصليبي الأمامي.

والغضروف عنصر أساسي في مفاصل الإنسان، وعندما يتلف أو ينهار بمرور الوقت، يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحة الناس العامة وحركتهم.

وتكمن المشكلة في أن الغضروف لدى البشر البالغين لا يمتلك القدرة على الشفاء، ويمكن للعلاج الجديد أن يحفز الإصلاح في الأنسجة التي لا تتجدد بشكل طبيعي.

واستخدم الفريق «جزيئات راقصة» لتنشيط خلايا الغضروف البشرية، لتعزيز إنتاج البروتينات التي تبني مصفوفة الأنسجة، علاوة على مادة حيوية هجينة، تتكون من ببتيد حيوي، يرتبط بعامل النمو المحول المعروف باسم بيتا-1 (TGFb-1)، وهو بروتين أساسي لنمو الغضروف وصيانته، وحمض الهيالورونيك المعدل، الموجود في الغضروف، والسائل الزليلي المرطب في المفاصل.

ودمج الفريق الببتيد الحيوي النشط، وجزيئات حمض الهيالورونيك المعدلة كيميائياً لدفع التنظيم الذاتي للألياف النانوية إلى حزم تحاكي البنية الطبيعية للغضروف.

وكان الهدف هو إنشاء سقالة جذابة لخلايا الجسم لتجديد أنسجة الغضروف، وباستخدام الإشارات الحيوية النشطة في الألياف النانوية، تشجع المادة إصلاح الغضروف بواسطة الخلايا التي تملأ السقالة.

غضروف مفصل الركبة
ولتقييم فاعلية المادة في تعزيز نمو الغضروف، لجأ الباحثون إلى اختبارها في الأغنام التي تعاني من عيوب الغضروف في مفصل الركبة، وهو مفصل معقد في الأطراف الخلفية يشبه الركبة البشرية.

وكان الاختبار في نموذج الأغنام أمراً حيوياً، فغضاريف الأغنام تتشابه بدرجة كبيرة مع تلك الموجودة عند البشر، من حيث تحمّل الوزن، والحجم، والأحمال الميكانيكية، بالإضافة إلى صعوبة تجددها.

وتجعل الدراسة على نموذج الأغنام، الباحثين أكثر قدرة على التنبؤ بكيفية عمل العلاج لدى البشر، ففي الحيوانات الأصغر الأخرى، يحدث تجديد للغضروف بسهولة أكبر.

وحقن الباحثون المادة السميكة التي تشبه المعجون في عيوب الغضروف، حيث تحولت إلى مصفوفة مطاطية، ولم ينمُ الغضروف الجديد لملء العيب فحسب، بل كانت الأنسجة التي تم إصلاحها ذات جودة أعلى باستمرار مقارنة بالمجموعة الضابطة.

وفي المستقبل، يتصوّر الباحثون أن المادة الجديدة يمكن تطبيقها على المفاصل أثناء جراحات المفاصل المفتوحة، أو بالمنظار.

والمعيار الحالي للرعاية هو جراحة الكسر الدقيق، حيث يقوم الجراحون بإنشاء كسور صغيرة في العظم الأساسي لتحفيز نمو غضروف جديد.

لكن المشكلة الرئيسية في نهج الكسر الدقيق هي أنه غالباً ما يؤدي إلى تكوين غضروف ليفي، نفس الغضروف الموجود في الأذن، على عكس الغضروف الزجاجي، وهو الغضروف الذي نحتاجه للحصول على مفاصل وظيفية.

ومن خلال تجديد الغضروف الزجاجي، يجب أن يكون هذا النهج أكثر مقاومة للتآكل والتلف، وإصلاح مشكلة ضعف الحركة وآلام المفاصل على المدى الطويل، مع تجنب الحاجة إلى إعادة بناء المفصل بقطع كبيرة من الأجهزة.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المادة النشطة بيولوجياً، والتي نجحت في النموذج الحيواني الكبير، تحمل آثاراً كبيرة على صحة الإنسان.

وإذا كان من الممكن تكرار نتائج مماثلة في التجارب البشرية، فإن هذا الابتكار يمكن أن يحدث ثورة في علاج تلف الغضروف، ما يوفر طريقاً جديداً للمرضى الذين يعانون من آلام المفاصل ومشكلات الحركة.

وقد تقلل إمكانية تجديد الغضروف عالي الجودة من الحاجة إلى جراحات استبدال المفاصل، وتحسّن نوعية الحياة لملايين الأفراد في جميع أنحاء العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى