محليات

الكويت تشهد تقدماً ملحوظاً في مكافحة المخدرات

بمنظومة صحية وتشريعية متكاملة

تشهد الكويت تقدماً ملحوظاً في مكافحة آفة المخدرات عبر منظومة صحية وتشريعية متكاملة تجمع العلاج المتخصص والتشريعات المستحدثة حماية للأسرة واستقرار المجتمع، في إطار وطني لمجابهة هذه الآفة وتوفير فرص التعافي من الإدمان خصوصاً مع دخول القانون رقم 195 لسنة 2025 «في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتنظيم استعمالها والاتجار فيها» حيز التنفيذ مؤخراً.

وترتكز هذه المنظومة على دور محوري لمركز علاج الإدمان التابع لوزارة الصحة من جهة وإسهامات الجمعيات المتخصصة مثل جمعية بشائر الخير من جهة أخرى بدعم من تعديلات تشريعية حديثة في قوانين مكافحة المخدرات عززت المسار العلاجي ووسعت من بدائل الحبس للمتعاطين ورسخت في الوقت ذاته حماية المبلغين وأسر المرضى.

وأكد متخصصان بهذا الشأن أن التكامل بين العمل العلاجي والوقائي والأمني والتشريعي من شأنه توفير أرضية أكثر ملاءمة للتعامل مع إدمان المواد المخدرة والمؤثرات العقلية من منظور علاجي لا عقابي.

وأوضح المتخصصان في تصريحين متفرقين أن ذلك من شأنه المساهمة في تخفيف الأعباء الصحية والاجتماعية والاقتصادية جراء آفة المخدرات وتحصين المجتمع وأبنائه.

وقال مدير مركز علاج الإدمان بوزارة الصحة الدكتور حسين الشطي إن المركز يمثل ركيزة أساسية في الحد من التعاطي ومكافحة المخدرات في الكويت من خلال تقديم برامج علاجية متدرجة وشاملة تستند إلى أسس علمية وتتعامل مع الإدمان باعتباره مرضا مزمنا يمكن التعافي منه بدعم علاجي ونفسي واجتماعي متكامل.

وأضاف الشطي أن مركز علاج الإدمان يضم مبنيين رئيسيين أحدهما المبنى القديم الذي يشمل المرحلة الأولى (سحب السموم) والمرحلة الثانية (التقييم الأولي) والمبنى الجديد الذي يمثل ما يعرف بـ(منزل منتصف الطريق) للعلاج المتقدم في وقت تفوق الطاقة الاستيعابية للمركز الـ500 سرير موزعة على مختلف الأجنحة لعلاج الحالات.

وأوضح أن المركز يستقبل المرضى البالغين من المواطنين والمقيمين ممن تجاوزوا سن 21 عاما موضحا أن البرنامج العلاجي يمر بعدة مراحل تبدأ بمرحلة سحب السموم التي تمتد عادة بين أسبوع وأسبوعين يتم خلالها التعامل مع الأعراض الانسحابية بصورة طبية بحتة.

وذكر أنه بعد ذلك تأتي مرحلة التقييم الأولي التي تستغرق أسبوعا إلى أسبوعين أيضا يتم خلالها تقييم الحالة من الناحية النفسية والسلوكية والاجتماعية لتحديد احتياجات المريض وخطته العلاجية.

وبين أن المراحل المتقدمة من العلاج تشمل العيادات الخارجية والرعاية المستمرة ومنزل منتصف الطريق فيما تقوم الرعاية المستمرة على حضور المريض يوميا إلى المركز لإجراء الفحوصات الطبية وحضور المحاضرات الجماعية ومقابلة الفريق العلاجي مع استمراره في ممارسة حياته وعمله.

وأفاد بأن منزل منتصف الطريق يمثل بيئة علاجية مفتوحة تحاكي المجتمع الطبيعي من خلال تكليف المرضى بمسؤوليات يومية مثل الاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المكان والمشاركة في إعداد الطعام وخدمة الآخرين بما يساعدهم على استعادة دورهم كأفراد فاعلين في المجتمع.

وذكر الشطي أن إدمان المخدرات مرض مزمن وسلوكي بطبيعته من ثم فإن الانتكاسة لا تعد فشلا للخطة العلاجية إنما جزء متوقع من مسار المرض مبينا أن الهدف من العلاج هو تقليل عدد مرات الانتكاس وإطالة الفترة الفاصلة بينها وتقليل حدتها على غرار ما يحدث في أمراض مزمنة أخرى كالسكري والربو التي تسجل نسب انتكاس سنوية قد تصل إلى 40 أو 70 في المئة رغم الالتزام بالعلاج.

وأفاد بأن الدراسات تظهر أن نسب التعافي تختلف بحسب مرحلة الإدمان ودرجة التزام المريض بالبرنامج العلاجي إذ قد تصل نسبة التعافي في المراحل المبكرة إلى نحو 80 في المئة بينما تبلغ في الحالات المتقدمة حوالي 40 في المئة في حين تعد نسبة الانتكاس في السنة الأولى من التعافي من بين الأعلى وقد تصل إلى 60 في المئة لتتراجع لاحقا مع استمرار المتابعة والعلاج لافتا إلى أن بعض من أتموا 20 عاما في التعافي لا تتجاوز فرص انتكاسهم 5 في المئة.

وأشار إلى أن المركز يضم أجنحة مخصصة للحالات المختلفة تشمل الأجنحة العامة للمرضى الداخلين طوعا وأجنحة للمرضى المحولين بموجب أحكام قضائية إضافة إلى أجنحة مخصصة للنساء وأخرى للتشخيص المزدوج وهي الحالات التي يعاني فيها المريض من الإدمان ومرض نفسي مصاحب مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب وهذه الفئة تحتاج إلى تعامل علاجي خاص من الأطباء والطاقم الفني.

ولفت الشطي إلى أن بعض المواد المخدرة مثل مادة (الشبو) أصبحت تشكل خطرا مضاعفا إذ يمكن أن تؤدي حتى عند تعاطيها بكميات بسيطة ولمدد قصيرة إلى ظهور أعراض ذهانية شديدة ومضاعفات نفسية معقدة مشيرا إلى أن أبرز المواد التي يتعامل معها المركز حاليا تشمل الهيروين ومشتقات الكيميكال والشبو.

وأوضح أن الخطة العلاجية في مركز علاج الإدمان لا تقتصر على الجانب الدوائي بل ترتكز في مراحلها اللاحقة على العلاج السلوكي والنفسي والاجتماعي من خلال جلسات الإرشاد النفسي والعلاج الجماعي والبرامج التأهيلية التي تستهدف تعديل السلوك ومعالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت في وصول المريض إلى حالة الإدمان.

وأضاف أن العلاقة العلاجية لا تنتهي بانتهاء وجود المريض داخل المركز بل تشجع البرامج العلاجية المرضى على الاستمرار في المتابعة عبر العيادات الخارجية والرعاية المستمرة بعد الخروج.

وبين أن المركز ينظم أيضا مبادرة أسبوعية تحت مسمى (حملة رسالة) يشارك فيها متعافون سابقون لنقل خبراتهم ونصائحهم إلى المرضى الحاليين بهدف دعمهم وتعزيز ثقتهم بالقدرة على التعافي.

وشدد على أن التعديلات التشريعية الأخيرة في قوانين المخدرات تمثل دعما مهما للمنظومة العلاجية إذ توازن بين تغليظ العقوبات على الاتجار والترويج وبين توسيع مسارات العلاج للمتعاطين.

وأوضح أن النصوص التي تسمح باللجوء إلى العلاج بدلاً من العقوبة أو تتيح للأسرة طلب إلزام ابنها بالعلاج دون أن يسجل ضده حكم جنائي تشكل نقلة نوعية في التعامل مع مرض الإدمان بمنظور علاجي لا عقابي.

وأكد الشطي أن علاج الإدمان مسؤولية مشتركة تتطلب تكاملا بين الأسرة والمؤسسات الصحية والجهات التشريعية والأمنية وأن تطوير برامج العلاج والتأهيل واستحداث تشريعات مساندة من شأنه أن يعزز فرص التعافي ويحمي المجتمع من الآثار الصحية والاجتماعية الخطيرة لتعاطي المخدرات.

من جانبه قال رئيس مجلس إدارة جمعية (بشائر الخير) عبدالحميد البلالي إن التشريع الكويتي الجديد لمكافحة المخدرات يمثل خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح إذ عالج معظم الثغرات الميدانية وفي مقدمتها تنظيم (شكوى الإدمان) وحماية المبلغين.

وأضاف البلالي أن القانون عمل على تثبيت سلطة الإيداع العلاجي بناء على تقارير المرافق المختصة ما أنهى عمليا إشكالية (الخروج عند الطلب) ورفع كفاءة المسار الإلزامي للعلاج.

وأوضح أن القانون شدد العقوبات على التاجر والجالب والموزع وتوسع في بدائل الحبس للمتعاطين عبر الإيداع في مرافق التأهيل بدلا من السجن بما يعزز فرص التعافي ويقلص الأثر الاجتماعي والاقتصادي لتعاطي المخدرات مؤكداً أن هذه التعديلات تتكامل مع الجهود العلاجية في مركز علاج الإدمان والجمعيات المتخصصة لتقديم استجابة أكثر شمولية وفاعلية.

وأشار إلى أن جمعية (بشائر الخير) تعمل منذ عام 1993 ضمن خريطة علاجية متكاملة بالتعاون مع وزارة الصحة والجهات الرسمية تبدأ بسحب السموم تحت إشراف مركز علاج الإدمان ثم التأهيل الطبي والنفسي وصولا إلى مرحلة (منتصف الطريق).

وبين أن هذه المرحلة تهيئ المتعافي للاندماج في المجتمع من خلال بيئة علاجية شبه مفتوحة يتحمل فيها مسؤولياته اليومية ويتعلم الالتزام والانضباط قبل العودة إلى حياته الطبيعية.

وذكر أن الجمعية تستقبل من أنهوا المراحل العلاجية الأولية وتبدأ معهم رحلة تأهيل جديدة نفسيا وسلوكيا واجتماعيا ودينيا وثقافيا عبر برامج إيمانية وروحية وبرامج في تعديل السلوك وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

ولفت إلى وجود لقاء أسبوعي عام للمتعافين ومحاضرات متخصصة وبرامج ميدانية في السجون والمستشفيات ورعاية لاحقة فضلا عن برامج موجهة للنساء في سجن النساء والمستشفى بإشراف مختصات حققت نتائج مشجعة في تحسين استجابة المدمنات للعلاج.

وقال البلالي إن القانون الجديد استجاب كذلك لمطلب حماية المبلغ من خلال النص على سرية الإجراءات وإتاحة حق طلب عدم الكشف عن الهوية وتجريم إفشاء البيانات أو المعلومات الخاصة ببلاغات الإدمان أو العلاج ومعاقبة ذلك بالحبس والغرامة ما يوفر مظلة قانونية تحمي الأسرة من الانتقام أو الضغط وتطمئنها إلى اللجوء للقنوات الرسمية.

ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في المدد الزمنية اللازمة لـ(رد الاعتبار) للمتعافين والسجناء المفرج عنهم التي تصل حاليا إلى خمس سنوات بغية تسريع اندماجهم في سوق العمل مقترحا تقليص هذه المدة شريطة خضوع المتعافي لتقييم دوري دقيق من الجهات المختصة.

وذكر أن القانون الجديد وضع أساساً متيناً لتطوير مسار مكافحة المخدرات وتعزيز الجانب العلاجي وحماية الأسرة مبينا أن استكمال المنظومة عبر أدوات تنفيذية إضافية ودعم الجمعيات المتخصصة سيسهم في تعظيم أثر التشريع وتجفيف منابع المخدرات وتمكين المتعافين من استعادة أدوارهم الطبيعية في المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى