منوعات

«الشاي».. طقوس وتقاليد لمشروب عرفه الكويتيون عبر التاريخ الاجتماعي

(كونا) – على ضفاف مياه الخليج الفيروزية الهادئة تتبادل مجموعات متفرقة الأحاديث الودية تتوسطهم موائد صغيرة عليها بعض من الحلويات المحلية كأنواع الكعك و «الدرابيل» وصحون صغيرة منقوشة بالألوان تعلوها «استكانات» أو «بيالات» الشاي تختصر بمشهدها طقوسا وتقاليد شرب الشاي عبر التاريخ الاجتماعي للكويت في «مقهى سليمان الشميمري» بالعاصمة.

منظر العامل الذي يلف على خصره «الوزار» وهو يحمل غوري «أبريق» الشاي الساخن ليسكبه في الاستكانة والأبخرة تتصاعد شيئا فشيئا إلى الأعلى في هدوء وتناسق بينما أوراق الشاي السوداء تتدافع ارتفاعا وهبوطا ودورانا داخل «الاستكانة» لتستقر في قاعها يعقبها ارتشاف الرجل للشاي يجسد مشهدا تاريخيا لتقاليد شرب الشاي في الكويت.

وحول تاريخ الشاي وواقعه الحالي قال الكاتب والباحث في التراث الكويتي صالح المسباح لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» اليوم الاثنين إن أول من أدخل الشاي إلى الكويت كان المرحوم يوسف البدر بغرض العلاج خصوصا للصداع وارتفاع درجة الحرارة ذلك في عام 1894 ميلادي أي في عهد الشيخ عبدالله الثاني بن صباح الصباح.

وأشار إلى أن الشاي كان يستخدم آنذاك بتقنين وحرص إذ كان يتم تجفيف بقايا أوراق الشاي المستخدمة بعد احتسائه في الشمس ثم تستعمل مرة أخرى.
وذكر أن الشاي دخل الكويت كمشروب جديد منذ قرن في عهد الشيخ مبارك الصباح «مبارك الكبير» عام 1902 عندما راجت التجارة الخارجية وبلغت ذروتها.

وقال إن أول من أدخل الشاي كمشروب بحسب ما ذكره عبدالله الحاتم في كتابه من «هنا بدأت الكويت» تاجر المواد الغذائية والتمور عبداللطيف العبدالرزاق والنوخذة عيسى العبدالجليل ثم انتشر هذا المشروب الذي كان البحارة الكويتيون يشربونه في مقاهي مدينتي بومبي وكراتشي حيث كان يشرب في قدح بينما يعرف محليا حتى الآن باسم «البيالة» أو «الاستكانة».

وتابع أن الشاي كان يجلب عادة من الهند وسيلان وباكستان وغيرها من مناطق إنتاجه وتم تداوله بشكل تجاري على نطاق واسع في الكويت بماركاته التجارية من قبل بعض الأسر الكويتية الكريمة.

ومن الأسر الكويتية الكريمة التي اشتهرت في تجارة الشاي قديما وحديثا عوائل عبدالكريم المنيس والوزان ومقامس وبهمن وحيات «شاي بو وردتين» والربيعة والتحو وغيرها وجعلت لها ماركات تجارية خاصة بأسمائها.

وقال المسباح إن الهنود الذين جاؤوا مع الاستعمار البريطاني للعراق كانوا يطلقون اسم «بيالة» على القدح الصغير في حين أن البريطانيين أطلقوا عليه اسم «استكانة» للتمييز بين هذا القدح الهندي والكوب البريطاني الكبير ومعناه «ايست تي كان» أي قدح الشاي الشرقي.

وأوضح أن القهوة كانت المشروب المعروف قبل دخول الشاي واقتصرت على التجار وميسوري الحال حتى وصل الشاي إلى الأكشاك والمقاهي في الكويت مثل «البلوشي» و «الطواويش» و «بوناشي» و «بوعباس» و«النواخذة» و «زمون» و «جويدر» وغيرها.

وأفاد المسباح بأن شاي الورق السيلاني كان وما زال أطيب أنواع الشاي يأتي في علبة خشبية محكمة الاغلاق ورائحته حين تفتح زكية عطرة والبعض يسميه «شاي فلة» تفريقا له عن الشاي الناعم الذي يوضع داخل عبوات أكياس صغيرة فشاي الورق في ظنهم أفضل وأطيب مذاقا من شاي الأكياس لأن أوراقه تصبح أكبر وأطيب عندما تغلى لذا فهو "يقند الراس" أي يعدل المزاج.

وأضاف أن الشاي كان يوزع على الدكاكين من المقاهي ومن يوزعه يسمى «جايجي» ثم انتقل إلى البيوت حيث استخدمته النساء للضيافة وخصوصا وقت الضحى فعرف بينهن بشاي الضحى مشيراً إلى أن شرب الشاي عند أهل الكويت لا يحلو إلا عند صبه باستكانة «أم نقطة» وهي استكانة معروفة في شكلها وحجمها والنقط المنسوبة إليها توجد في وسطها الأعلى وللصحن أيضا نقوشه المعروفة.

وعن أبريق الشاي المستخدم قديما في الكويت قال المسباح إن الكويتيين يطلقون عليه اسم «غوري» وهي كلمة تركية ويصنع من الفخار الملبس ويطلق عليه أيضا اسم «كيتلي» وهي مفردة إنجليزية وهذا النوع كان يصنع من النحاس الأحمر وكان يستخدم لتسخين الماء الموجود قرب «غوري» الشاي على ما يعرف ب«الدوة» التي يوضع بها الفحم.

وعن الأماكن التي انتشرت بها المقاهي التى تبيع الشاي والقهوة في الماضي أشار المسباح إلى «الفرضة» و«ميناء الكويت القديم» و«سوق التجار» و«السوق الداخلي» و«براحة الصراريف» و«سوق الحرس» و«الصفاة».

وأضاف أن كل مقهى يتميز بمرتاديه من مختلف شرائح المجتمع بمعنى أن بعض المقاهي اشتهر برواده من أصحاب المهنة الواحدة كالنواخذة أو الطواويش أو البحارة أو التجار أو الشريطية أو الحمارة.

وتطرق المسباح إلى أبرز عادات النساء في شرب الشاي وهي جلسة «شاي الضحى» وهو تقليد اشتهرت به الكويتيات منذ القدم وخلاله كانت المرأة تدعو صديقاتها وجاراتها في وقت الضحى فتجهز «الدوة» وتعد الشاي وتخدره «يغلى فترة طويلة» وتعد الاستكانات والأواني وبعض المأكولات الخفيفة مثل النخي والباجلا والخبز وبعض الحلويات ومغمسات الشاي مثل «البقصم» و«الدرابيل» و«قرص العقيلي» و«الزلابيا» و«الغربية» والمكسرات التي تسمى بـ«المخلط».

وأضاف أن جلسات الشاي في الشتاء تزدان بأنواع عدة من المشروبات الساخنة كشاي الدارسين «القرفة» والزعفران واللومي مشيرا إلى اجتماع النسوة ينتهي قبيل الظهر لكي يعدن إلى منازلهن لإعداد وجبة الغداء لأزواجهن وقبل انصراف النسوة تقترح إحداهن أن يكون شاي الضحى عندها غدا في منزلها وهكذا.

وعن واقع مشروب الشاي في الكويت اليوم قال الخبير ياسر بودستور وهو صاحب أول محل متخصص في بيع الشاي الفاخر «إن أجود وأفخر الأنواع عالميا يسمى (بؤرا) يباع أيضا في الكويت وقد يصل سعر ال120 غراما منه إلى 120 ألف دولار أمريكي أي أن سعر الكيلوغرام يصل إلى مليون دولار وينتج في إقليم خاص بالصين».

وبسؤاله هذا الارتفاع في الأسعار قال بودستور ل«كونا» إن ذلك لكونه من أفضل الأنواع وأندرها في العالم فمثلا هناك مزارع تنتج الشاي من 20 شجرة فقط تصل أعمارها إلى نحو 500 عام.

وأضاف ان حكماء الصين كانوا يعتقدون ان من يحتسي شاي هذه الأشجار يتمتع بالطاقة والحيوية علاوة على المساعدة على هضم الاكل والحفاظ على الوزن كما أن دراسات كثيرة تؤكد فوائده المتعددة لجسم الانسان.

وقال بودستور إن من أفخر أنواع الشاي الأخضر «شاي بور» وينتج في منطقة بمقاطعة يونان الصينية منذ القدم ويتميز برائحته العطرة الزكية ومذاقه المميز ويتراوح سعره ما بين الـ40 ألف دينار والـ50 ألفا للكيلوغرام حسب نوع القطفة وسنة الإنتاج وطريقة التجميع.

وكشف ان هذا الشاي يتم حفظه عند استيراده في أحد البنوك لارتفاع سعره مشيرا إلى أن هناك أيضا الشاي المخلوط بالذهب عيار 24 ويصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 8 آلاف دينار وقد تمت تجربته بإشراف مركز طبي حيث ثبت احتواؤه على مواد مضادة للأكسدة التي تقاوم العديد من الأمراض كالسرطان.

زر الذهاب إلى الأعلى