فلسطين.. أهالي «الشيخ جراح»: النكبة لن تتكرر ولن تمروا إلا على أجسادنا
(وفا) – وإن كانت «نكبة» صغيرة، لكن بأبعادها تمس كل فلسطيني. ولأن الفلسطيني جرب «النكبة» فهو على استعداد لأن يقاتل بكل ما يملك كي لا تتكرر، لذا يكتبون ويرسمون ويعيشون في الشيخ جراح اليوم، مقولة: «لن تمروا إلا على أجسادنا»، و«لن نرحل».
تشكل 15 إلى 18 دونما، وهي مساحة حي الشيخ جراح في قلب القدس المحتلة، و550 فلسطينيا، هم عدد سكانه، المهجرين من أحياء القدس المحتلة العام 1948 ومدن أخرى كحيفا ويافا، حالة مواجهة دائمة، طيلة الوقت، مع محاكم الاحتلال العنصرية، والمستوطنين المتطرفين الذين يقومون بشكل شبه يومي، بالاعتداء على الأهالي وترويعهم، ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، لطردهم من 28 بيتا فلسطينيا وتحويل المكان لمستوطنة جديدة.
حي مغلق منذ شهر ونصف، لا أحد يدخله غير أهله، وبصعوبة، لا زيارات عائلية، لا مدارس يذهب إليها الأولاد، لأن لا طريق، فالطريق مستوطنون متطرفون يعربدون بالرصاص والحجارة، والطريق شرطة الاحتلال ووحداته الخاصة والخيالة، قمع ومياه عادمة، والطريق مكعبات اسمنتية تدقق في هوية واسم وتفاصيل الفلسطيني قبل أن تعيده من حيث أتى حين يكون زائرا أو متضامنا، وتفتح كل الأبواب للمستوطنين، تحرسهم وتمنع إيذائهم ولو بالهتاف، كما فعلت حين سمحت وسهلت مسيرة لألفي مستوطن في منتصف مايو الجاري، ليعيثوا فسادا وعربدة.
لا ينظر إلى الشيخ جراح، على أنه قضية 28 منزلا فلسطينيا، يحاول الاستيطان منذ 49 عاماً الاستيلاء عليها، إنما قضية كل فلسطين وكل فلسطيني، حيث جوهر الاشتباك الدائر اليوم والمستمر منذ النكبة، والمرتكز على ثلاثة محاور رئيسة: اللاجئين، القدس، الاستيطان.
احتلال بيت «الشنطي» واختراع قبر يهودي
تهويد الشيخ جراح لم يبدأ منذ 2009 أو 1972 فقط، ففي نكسة حزيران 1967، قام مستوطنون باستغلال ظروف الحرب واحتلال ما تبقى من فلسطين، فاستولوا على منزل يعود لعائلة الشنطي وكان أصحابه في ذلك الوقت بدولة الكويت.
لكن العام 1972 كان حاسما في تهويد الشيخ جراح، حين قامت جمعيتان استيطانيتان (جمعية اليهود الشرقيين وجمعية اليهود الغربيين) والمسجلتان في الولايات المتحدة الأميركية تحت مسمى شركات «ملجأ ضرائبي»، بتسجيل العقارات باسمها، معتمدة على وثائق مزورة من المستوطنين، مدعومة بقضاء الاحتلال الذي سن قوانين خاصة لسرقة بيوت المقدسيين وممتلكاتهم وأراضيهم في سنوات الخمسينيات والستينيات، واستمرت تلك القوانين غير القانونية وغير الأخلاقية طيلة السنوات السابقة، وكان آخرها في العام 2017.
بعد مطالبة الجمعيات الاستيطانية والمستوطنين بما يدعون أنها أملاكهم، وأن بحوزتهم وثائق تثبت ادعاءاتهم وتعود للعام 1875، تحرك أهالي الحي، وعينوا في ثمانينيات القرن الماضي، قاضيا يهوديا (لعدم وجود محامين عرب أو ندرتهم في تلك المرحلة) يدعى «يتسحاق» ليدافع عن حقوقهم، قبل أن يكتشفوا أنه تآمر عليهم لصالح الجمعيات الاستيطانية، وأن قضاء الاحتلال أغلق ملف القضية بعد أن ثبت الملكية للمستوطنين، الذين اعتبروا أهالي الحي الفلسطينيين مستأجرين لديهم! في عامي 2009 – 2010 قامت شرطة الاحتلال ومستوطنوها بإخلاء ثلاثة بيوت ونصف بيت من الحي بالقوة.
محامي أهالي الحي حسني أبو حسين قال لـ «وفا»: بدأ الاستيلاء في الحي عامي 2009 و2010، بإخلاء بيوت عبد الفتاح الغاوي وحنون ومحمد الكرد، بناء على قرارات محاكم سابقة صدرت في ثمانينيات القرن الماضي، ثم أخليت غرفة واحدة تعود لرفقة الكرد التي توفيت قبل عامين، وسلمتها الشرطة للمستوطنين، واليوم هناك قرارات بالإخلاء ضد 7 عائلات، كعائلة اسكافي والدجاني وحماد وأبو حسنة.
وأضاف: ادعت الجمعيتان الاستيطانيتان، أن أحبار اليهود، وهم أحبار الطائفة الأشكنازية وأحبار طائفة السفرديم، اشتروا أرض حي الشيخ جراح سنة 1875، أنا محامي الحي منذ عشرين عاما لم أرَ ولا مرة واحدة ورقة اتفاقية بيع وشراء من قبل الأحبار اليهود، لافتا إلى أنه منذ 1875 وحتى 1948 هؤلاء الأحبار لم يسجلوها باسمهم، لا في زمن العثمانيين الذين حكموا فلسطين حتى العام 1917، ولا في زمن الانتداب البريطاني.
وبين: في 25/7/1842 صدر أمر سلطاني من الخليفة العثماني، وكان حاكم القدس في أيامها محمد باشا الذي «يمنع الأجانب شراء أي عقارات في القدس دون الحصول على إذن من القاضي الشرعي»، وهذا القرار بين أوراقي، وظل معمولا به حتى رحيل العثمانيين، هذا يعني أن الأحبار اليهود لم يكن لهم الحق قانونية او شرعية بشراء عقار في القدس.
«طوال عمرها أرض الحي اسمها «كرم الجاعوني»، حتى في محاكم الاحتلال مكتوبة بهذا الاسم» قال أبو حسين.
اتفاقية 1956
قال أبو حسين: العام 1982 رفع المستوطنون قضية ضد 23 عائلة في الشيخ جراح، فقامت 17 عائلة منها بتوكيل محامٍ يهودي، للدفاع عن بيوتهم وأملاكهم، فقام بالتآمر عليهم والاعتراف بأن بيوت الشيخ جراح هي ملك للجمعيات الاستيطانية، فثبتت المحكمة شهادته، وأن الفلسطينيين القاطنين في الشيخ جراح هم مستأجرون محميون، وقامت الشركة الاستيطانية التي اشترت الأرض من الجمعيتين الاستيطانيتين بتقديم شكوى على الأهالي بحجة أنهم لم يدفعوا طيلة عشرات السنوات إيجار البيوت.
وعن مصدر قوة وشرعية الأهالي ومحاميهم في الدفاع عن بيوتهم، أجاب: أولا، طالبنا المحكمة العليا أن تلغي اتفاق المحامي اليهودي الذي تآمر على أهالي الحي، وفحص أوراق القضية وأوراق الأرض وهي حجج شرعية مسجلة في دائرة طابو القدس، والتي تقول: أن أرض الحي هي لعائلة حجازي السعدي، الذين قطنوا حارة السعدية في البلدة القديمة واليوم ورثة العائلة يعيشون في شعفاط.
وتابع: ثانيا، حصلنا على أوراق من وزارة الخارجية التركية، بأن أوراق الجمعيات الاستيطانية مزيفة، ولا أساس لها من الصحة. ثالثا، تسلمنا قبل أسبوعين من الاردن، وثائق اتفاقية الحكومة الأردنية مع أهالي الشيخ جراح سنة 1956، والذي التزمت فيه الأردن بتطويب وتمليك أرض الحي للعائلات الفلسطينية المهجرة مقابل تسليم كرت اللاجئين، لكن نشوب حرب الأيام الستة في حزيران 1967 منع اتمام التطويب. كما أرفقت لنا وزارة الخارجية الأردنية بكتاب يطالب حكومة الاحتلال الالتزام بما صدر عن الحكومة الأردنية في تلك المرحلة حيث كانت صاحبة السيادة على القدس الشرقية، وذلك حسب القوانين الدولية.
ولفت، إلى أن الاحتلال يحاول الاستيلاء على جميع الأراضي حول سور القدس، والتي يسميها الحوض المقدس، لذا يحاول الاستيلاء على سلوان لادعائه أنها «مدينة داوود»، من أجل جلب صهاينة العالم إليها. ويدعي المستوطنون أن مغارة في الشيخ جراح فيها قبر لأحد أحبار اليهود منذ ألفي عام قبل الميلاد واسمه الصديق شمعون. وهي إحدى وسائلهم في خلق أساطير لا وجود لها من الأساس لإعطاء صبغة دينية على الأمكنة. والقبر هو لمواطن عربي فلسطيني مسلم اسمه الصديق.
بدوره، قال الحاج هشام من أهالي الحي: أعياد الاحتلال جحيم علينا، وتزداد أعدادها عاما بعد عام، في أعيادهم ومناسباتهم التي تفوق اليوم السبعة أعياد، يقومون بإغلاق الحي بشكل كامل، ويأتي المستوطنون للصلاة على قبر خلعوا شاهده في الـ1967، يعود لفلسطيني اسمه الصادق ابن عبيد ابن سلامة السعدي، ووضعوا شاهدا باسم الصديق شمعون!
أوراق مزيفة وقوانين تطهير عرقي
بدوره قال المحامي سامي ارشيد، إن الاحتلال سن قوانين وتشريعات لتفريغ مدينة القدس المحتلة، وكان من ضمنها قانون صدر العام 1968 خصيصا من أجل الاستيلاء على عقارات في القدس الشرقية ومن ضمنها الشيخ جراح.
ولفت إلى أن الشركات المسؤولة عن تهويد الشيخ جراح، مسجلة تحت اسم «ملجأ ضرائب»، وهي شركات أجنبية في الولايات المتحدة الأميركية، وهي شركات تتهرب من دفع الضرائب وتكون مشبوهة، بأسماء وهمية، حيث لا يعرف أصحاب الأسهم فيها أو أسماء الموقعين على الصفقات.
وبين: القضاء الاسرائيلي ليس كل شيء، ولا هو نهاية العالم. وقضية الشيخ جراح حاضرة في الملفات المرفوعة للجنائيات الدولية.
وأشار ارشيد، إلى أن الاحتلال يستقوي بنقطتين: الأولى تسجيل الأرض والعقارات العام 1972، بدون علم الأهالي وبطريقة غير سليمة، حيث لا توجد خرائط ولا يوجد في الصكوك التي اطلع عليها أي أثر في الأرشيف العثماني، ولا صحة للأرقام والحجج التي قدمتها الشركات الاستيطانية في سجلات الأراضي والعقارات والاتفاقات وكل ما له علاقة بالأرض في الفترة العثمانية. وتآمر المحامي اليهودي في 1982 مع الجمعيات الاستيطانية بعد أن وكلته العائلات الفلسطينية المهددة بالإخلاء، وإقراره أن العقارات ملك لتلك الجمعيات.
وأضاف: النقطة الثانية، هي مرور أكثر من 15 عاما على تسجيل الأراضي بأسماء الجمعيات الاستيطانية واغلاق الملف، حيث في القانون الاسرائيلي يمنع إعادة فتح الملفات بعد هذه المدة.
يُشار إلى أن الاحتلال يخطط لبناء مئات الوحدات الاستيطانية بعد الاستيلاء على بيوت أهالي الشيخ جراح وهدمها، وجلب آلاف المستوطنين الوافدين، لإقامة مستوطنة جديدة في قلب مدينة القدس، وسلخ القدس الشرقية عن القدس الغربية، لمنع إقامة عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.