اقتصاد

صندوق النقد يشيد بإجراءات بنك الكويت المركزي ومرونة القطاع المصرفي المحلي

أصدر بنك الكويت المركزي بيانًا صحفيًا بمناسبة انتهاء زيارة بعثة خبراء صندوق النقد الدولي للبلاد خلال الفترة 26 سبتمبر– 10 أكتوبر 2021 في إطار المشاورات الدورية لعام 2021، بموجب المادة الرابعة لاتفاقية إنشاء الصندوق، حيث تولى بنك الكويت المركزي بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والجهات المحلية المعنية إنجاز الترتيبات الخاصة بتلك الزيارة بما في ذلك تجميع المعلومات والبيانات وترتيب الاجتماعات مع كبار المسؤولين في الجهات الحكومية وغير الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، اجتمعت البعثة مع محافظ بنك الكويت المركزي وكبار المسؤولين في البنك المركزي، حيث تمت مناقشة المواضيع ذات الصلة باهتمامات البنك المركزي في مجالي السياسة النقدية والرقابة والإشراف على وحدات القطاع المصرفي والمالي. 

وأدلى الدكتور محمد يوسف الهاشل محافظ بنك الكويت المركزي بتصريح حول تلك الزيارة أوجز فيه أبرز مضامين البيان الختامي الذي أعدته البعثة. وأشار المحافظ إلى أن البيان قد أبرز طبيعة التحديات الهيكلية الماثلة أمام الاقتصاد الكويتي وسبل مواجهتها. وقد رحب بيان البعثة بجهود بنك الكويت المركزي لتعزيز متانة القطاع المصرفي والمالي وزيادة تحصينه.

وأوضح المحافظ أن البيان الختامي للبعثة قد جاء ضمن خمسة محاور رئيسية، تشمل التطورات الأخيرة والتوقعات والمخاطر في دولة الكويت، والسياسات قصيرة الأجل لدعم التعافي الاقتصادي، والسياسة المالية لتعزيز الاستدامة المالية، وتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية والتوظيف، والسياسات النقدية والمالية لحماية الاستقرار المالي. 

فعلى الجانب المتعلق بالتطورات الأخيرة والتوقعات والمخاطر، أشار بيان البعثة إلى أن الجمود السياسي المستمر يعوق جهود التصدي للمخاطر المالية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو، حيث أشار خبراء الصندوق إلى أن هناك عدة قوانين إصلاحية مهمة، بما في ذلك قانون جديد للدين العام من شأنه ضمان التمويل المنظّم للاحتياجات التمويلية، حيث تنتظر تلك القوانين موافقة مجلس الأمة دون جدول زمني واضح للموافقة عليها، ومع ذلك، تُبذل جهود بقيادة صاحب السمو أمير البلاد لحل التأزم السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة قبل انعقاد الدورة البرلمانية المقبلة التي تبدأ في 26 أكتوبر 2021، مما سيمهّد الطريق لتسريع وتيرة الإصلاحات. علاوة على ذلك، تعمل الحكومة بنشاط لإعداد خطة إصلاح شاملة -برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي السادس عشر (21/2022-24/2025) – تهدف إلى معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والمالية العامة وتعزيز النمو الشامل والمستدام.

ومع ذلك، فقد رأت البعثة أن السلطات الكويتية قد استجابت بسرعة وحزم لأزمة جائحة كورونا، حيث أشارت البعثة إلى أن التدابير الصارمة لاحتواء الجائحة والدعم الصحي خففت من حالات الإصابة والوفيات، وقد ساهمت مختلف تدابير الدعم المالي والنقدي التي اتخذتها الحكومة وبنك الكويت المركزي في تخفيف الأعباء على كل من الأسر والشركات والقطاع المالي، مما قلّص من الأضرار الناجمة عن الجائحة. وبفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها السلطات الكويتية في توزيع اللقاحات، فقد تم تطعيم حوالي 80% من السكان المستهدفين بالجرعة الأولى وتم تطعيم أكثر من 70% بجرعتين اعتبارًا من منتصف سبتمبر 2021، وتباطأت وتيرة الإصابة بشكلٍ كبير، مما سمح بانتعاش النشاط الاقتصادي.

وتوقع خبراء الصندوق أن يتعافى الاقتصاد الكويتي تدريجيًا من هذه الجائحة، التي ترافقت فيها الآثار المباشرة لجائحة فايروس كورونا على النشاط الاقتصادي، مع الانخفاضات الحادة في أسعار النفط والتخفيضات في إنتاج النفط بموجب اتفاقية (أوبك+) وتبعات ذلك على القطاع النفطي. وتوقعت البعثة أن يُسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشًا بنحو 8.9% (انكماش القطاعات غير النفطية بنسبة 7.5%، وانكماش القطاع النفطي بنسبة 9.8%) في عام 2020. كما توقعت أن ينمو ناتج القطاعات غير النفطية بنحو 3.0% في عام 2021، مع تعافي النشاط الاقتصادي تدريجيًا وتحسن البيئة العالمية، وأن ينمو بنحو 3.5% على المدى المتوسط. ومن المتوقع كذلك أن ينتعش إنتاج النفط مع مراجعة الحصص وفق اتفاق (أوبك+). وبشكلٍ عام، فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 2.7% على المدى المتوسط. وأن يبلغ متوسط التضخم السنوي نحو 3.2% في عام 2021 نظرًا للزيادات في أسعار المواد الغذائية وتكاليف الخدمات المتصلة بالسفر وأن يبقى عند حوالي 3% على المدى المتوسط.

وبشأن رصيد الموازنة العامة للسنة المالية 21/2022 فإن من المتوقع أن يتحسن بشكلٍ كبير، نظرًا لانتعاش أسعار النفط، ولكنه سيتدهور بعد ذلك في ظل عدم ضبط أوضاع المالية العامة. وقد شهد رصيد الموازنة العامة للدولة (بحساب دخل الاستثمارات الحكومية، وبدون حساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة) تدهورًا حادًا في السنة المالية 20/2021 بعجز قدره 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية، وتدابير الدعم المالي لتخفيف آثار الجائحة، وتراجع النشاط الاقتصادي. فيما توقعت البعثة أن يتحسن رصيد الموازنة العامة خلال السنة المالية 21/2022 ليحقق فائضًا مقدرًا بنسبة 2.0% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انتعاش الإيرادات النفطية، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بشكلٍ ملحوظ مما يقلل من نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وخفض الإنفاق العام، وسحب بعض التدابير المالية ذات الصلة بالجائحة. غير أن استمرار ضغوط الإنفاق العام وانخفاض أسعار النفط سيؤديان في السنوات اللاحقة إلى اتساع العجز وانخفاض كبير في صافي الأصول الحكومية على المدى المتوسط، في ظل غياب جهود ضبط أوضاع المالية العامة. كما أن تدهور رصيد المالية من شأنه أن يؤدي إلى تراجع فائض الحساب الجاري بشكلٍ كبير على المدى المتوسط.

وقد اجتاز القطاع المالي الكويتي الأزمة بشكلٍ جيد، مستفيدًا من التنظيم الحصيف والرقابة اللصيقة لبنك الكويت المركزي عليه، وذلك إضافة إلى المصدات القوية لديه قبل دخول الأزمة. وأشارت البعثة إلى أن التدابير التي اتخذها بنك الكويت المركزي قد ساعدت على دعم النمو في الائتمان السنوي بنسبة 3.6% في نهاية عام 2020. فالبنوك تتمتع برسملة جيدة وسيولة عالية. وفي عام 2021، بلغ معيار صافي التمويل المستقر لدى البنوك نحو 110% ومعيار تغطية السيولة نحو 174.5%. وبلغ معدل كفاية رأس المال لدى البنوك نحو 18.7%، وهو ما يفوق بشكلٍ كبير الحد الأدنى المطلوب. كما بلغ صافي القروض غير المنتظمة من المخصصات المحددة نحو 1.7%، وسجل مجموع المخصصات لإجمالي القروض غير المنتظمة مستوى مرتفعًا بلغ نحو 195%. 

أما فيما يتعلق بآفاق النمو فتحيط بها حالة من عدم اليقين، مع ميل ميزان المخاطر إلى الجانب السلبي، حيث أشارت البعثة إلى أن استمرار أمد الجائحة قد يؤثر على الانتعاش الاقتصادي المتوقع. وقد يؤدي التأخير في تبني إصلاحات مالية وهيكلية إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالسياسات المالية المواكبة للدورات الاقتصادية، وتقويض ثقة المستثمرين، وعرقلة التقدم نحو مزيد من التنويع الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية، وسيكون لتقلبات أسعار النفط تأثير كبير على التوقعات وموازين الاقتصاد الكلي. وفي المقابل، فإن انتعاش النشاط العالمي بأكثر مما كان متوقعًا يمكن أن يعزز الإيرادات النفطية، فيما يمكن أن يؤدي حل الجمود السياسي والضبط القوي لأوضاع المالية العامة إلى تحسين معنويات المستثمرين إلى حدٍ كبير.

وعلى صعيد السياسات قصيرة الأجل لدعم التعافي الاقتصادي، يبدو أن الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن الجائحة معتدلة حتى الآن، وإن كان هذا الواقع عرضة للتغير إن طال أمد الجائحة. وأشار خبراء الصندوق إلى أن قطاع النفط كان سريع التعافي، كما أفاد الخبراء بأن ما هو متاح من معلومات يبين أن تدابير الدعم قد احتوت حالات الإفلاس في قطاعات الشركات الأكثر تأثرًا بالجائحة. وكما يبدو فإن قيود دخول وخروج المقيمين قابلة للتغيير مع تخفيف تدابير احتواء الجائحة. ومع التعافي التدريجي للاقتصاد، يتم الرفع التدريجي لتدابير دعم القطاعات المالية والنقدية بوتيرة محسوبة. ونظرًا لتقلبات الجائحة، فإن تخفيف تدابير الدعم المتبقية يتطلب الرصد الدقيق للحالة الصحية والاقتصادية، وهو الأمر الذي سيساعد على ضمان سلاسة عودة الأوضاع إلى طبيعتها. ويمكن اتخاذ تدابير داعمة إضافية إذا اقتضى الأمر، ولكن ينبغي أن تستهدف هذه التدابير بشكلٍ متزايد تلك القطاعات التي تضررت بشدة والأكثر ضعفًا ولكنها قابلة للتعافي، كما يتعين أن تكون تلك التدابير مؤقتة لتجنب الزيادة الدائمة في العجز المالي.

وأكّدت البعثة على أهمية تنفيذ ضبط أوضاع المالية العامة المخطط له على المدى القصير بما يُراعي حماية الانتعاش الاقتصادي الناشئ. وقد أعلن مجلس الوزراء مؤخرًا عن خطط لخفض الإنفاق العام بنسبة 10% مقارنة بأهداف الموازنة العامة للسنة المالية 21/2022 من خلال خفض عدد الموظفين الوهميين في القطاع الخاص، وخفض دعم العمالة لفئة محددة من موظفي ذلك القطاع، والحد من الإنفاق غير الأساسي بما في ذلك نفقات السفر، وتحسين الإنفاق الرأسمالي، وخفض الإنفاق على المشتريات الحكومية من خلال مراجعة العقود ذات القيمة الكبيرة. وبدخول النصف الأخير من السنة المالية، ستكون هناك حاجة إلى تخفيضات أكبر بكثير في الأشهر المقبلة لتحقيق الهدف العام البالغ 10% للسنة المالية بأكملها. ولذلك، فإن من الضروري النظر بشكلٍ كامل في هذه التدابير لضمان تنفيذها بطريقة ووتيرة تضمن الانتعاش.

ويُعد إقرار قانون الدين العام –بحسب خبراء بعثة صندوق النقد الدولي- أمرًا ضروريًا لإصدار الدين الحكومي ودعم انتظام عميات المالية العامة. وينص مشروع القانون الخاص بالدين العام المعروض حاليًا على مجلس الأمة، على أن سقف الدين سيبلغ ما نسبته نحو 60% من إجمالي الناتج المحلي مما يتيح مساحة للاقتراض الإضافي مع توسع حجم الاقتصاد، وهو ما يعد مناسبًا. وبشكلٍ عام، ينبغي أن يوفّر القانون المذكور مرونة كافية لإدارة الدين العام على نحو ملائم، وأن يتجنب فرض قيود مثل تلك المفروضة على آجال استحقاق الديون وأحجام واستخدامات التمويل، التي تدار على أفضل وجه على المستوى التشغيلي. وفي ظل غياب إقرار قانون الدين العام، وعدم وجود سند قانوني يتيح الاستفادة من موارد صندوق احتياطي الأجيال القادمة الأكبر حجمًا، فقد اعتمد تمويل المالية العامة في المقام الأول على سحب الأصول السائلة من صندوق الاحتياطي العام، وهو ما أشير إليه كسبب رئيسي لخفض التصنيفات الائتمانية السيادية مؤخرًا. لذا فإن هناك حاجة إلى وجود حل مبكر للجمود السياسي في مجلس الأمة لتمرير قانون الدين العام في الوقت المناسب.

ورحّب خبراء الصندوق بالتركيز المتواصل لاستجابات السياسة النقدية والمالية على دعم الاقتصاد واحتواء المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، وأشاروا إلى أن البنوك لا تزال تتمتع بمصدات رأسمالية ومستويات سيولة جيدة على الرغم من الزيادة الطفيفة في نسبة القروض غير المنتظمة وتراجع ربحيتها. وانتهى في أكتوبر2020 التأجيل الأول لقروض الشركات والأسر لمدة 6 أشهر، والذي تم بتمويل تكلفة التأجيل من البنوك، دون تأثير كبير على جودة الأصول. وفي أبريل 2021، أعُلن عن إمكانية التأجيل الاختياري للقروض لمدة 6 أشهر للعملاء الأفراد الكويتيين، بتمويل تكلفة التأجيل من الحكومة، والذي سينتهي في شهر أكتوبر 2021. ولذلك يواصل بنك الكويت المركزي رصد مخاطر الائتمان عن كثب ويقوم بتقييم استشرافي لجودة أصول البنوك وضمان وجود احتياطيات كافية من رأس المال لتحمل المخاطر على الائتمان إذا تحققت.  

وعلى صعيد السياسة المالية لتعزيز الاستدامة المالية، يرى خبراء الصندوق أن الاستدامة المالية وإعادة بناء المصدات الوقائية تستوجب إطلاق خطة طموحة ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية وأن تكون ملائمة للنمو على المدى المتوسط، كما ذكرت البعثة أن مسار التعديل المحتمل الذي من شأنه أن يسد فجوة المدخرات بين الأجيال ويقلل من احتياجات التمويل يتطلب إصلاحات في الإيرادات والإنفاق العام، ويمكن أن تشمل التدابير على جانب الإيرادات العامة إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، وضرائب على التبغ، وتوسيع ضريبة الشركات لتشمل الشركات المحلية، وتنفيذ ضريبة الممتلكات، أما من ناحية الإنفاق العام فسوف يكون الإلغاء التدريجي للدعم وإصلاح الأجور العامة أمرًا بالغ الأهمية.

وأكّد البيان الختامي لخبراء الصندوق أن تنفيذ الإصلاحات المالية من المرجح أن يستغرق عدة سنوات، ولذا فهناك حاجة إلى إطار مالي متوسط الأجل لدعم صنع السياسات السليمة والتقييم الصارم لخيارات الإصلاح. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى حساسية الميزان المالي الرئيسي لأسعار النفط، فإن هدف الميزان الأولي الهيكلي غير النفطي – الذي سيكون قويًا بالنسبة لأسعار النفط والتقلبات الدورية – يمكن أن يتمثل في إرساء دعامة مالية مناسبة لدعم جهود ضبط أوضاع المالية العامة. وسيتطلب تفعيل مثل هذا الإطار تجديد الكوادر والموارد والدعم الفني رفيع المستوى لوحدة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية في وزارة المالية. وأشارت البعثة إلى أن صندوق النقد الدولي على استعداد لتقديم المساعدة الفنية في هذا المجال.

وشدد خبراء الصندوق على أهمية تعزيز الإدارة المالية العامة والحوكمة المالية التي من شأنها تحسين المساءلة وفعالية السياسة ودعم جهود ضبط المالية العامة، حيث هناك حاجة إلى مزيد من الإفصاحات في تقارير المالية العامة ربع السنوية وميزانية الهيئة العامة للاستثمار لتحسين شفافية المالية العامة. وساهم نقص المعلومات الدقيقة حول الأصول السيادية بشكلٍ خاص في إثارة المخاوف بشأن مخاطر تمويل عجوزات الموازنة العامة. كما أن زيادة الشفافية من شأنها المساعدة على تسهيل تحقيق الإجماع العام حول الإصلاحات، ويزيد من إمكانية تنفيذها. وينبغي أيضًا تعزيز إطار المشتريات العامة لزيادة كفاءة الإنفاق المالي للموازنة وتخفيف مدركات الفساد. ويجب وضع إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية لتعزيز إدارتها بطريقة موحّدة، من خلال المساعدة في التنبه المبكر للانكشاف على المخاطر السيادية، وتصميم تدابير التخفيف المناسبة.

كما أكد خبراء الصندوق على أهمية أن تكون بيانات الاقتصاد الكلي عالية الجودة وتُعد في الوقت المناسب، بما في ذلك التضخم والحسابات القومية، وهي مدخلات بالغة الأهمية لتحليل الظروف الاقتصادية وتوجيه السياسات. وبالتالي، يجب تعزيز ودعم الإدارة المركزية للإحصاء من حيث الكوادر والموارد والصلاحيات، وفي هذا الصدد، أشارت البعثة إلى أن عملية جمع بيانات التضخم قد توقفت منذ أبريل 2021، ولم يتم نشر بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2021 حتى الآن، وهناك تأخر طويل في نشر الناتج المحلي الإجمالي السنوي حسب تبويب الإنفاق، كما توقف إعداد الناتج المحلي الإجمالي حسب تبويب الدخل. وأشارت البعثة إلى أن صندوق النقد الدولي على استعداد لتقديم المساعدة الفنية في هذا المجال.

وفيما يتعلّق بتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية والتوظيف، أشار البيان الختامي لخبراء الصندوق إلى الإصلاحات المطلوبة بشكلٍ عاجل لتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية، وبالنظر إلى التركيبة السكانية في دولة الكويت فإنه من المتوقع دخول أكثر من 100 ألف شاب إلى سوق العمل على المدى المتوسط، ومع مراعاة حالات التقاعد سيتعين على الحكومة توفير نحو 64 ألف فرصة عمل جديدة على المدى المتوسط. وأشارت البعثة إلى أنه ومع الضغوط المالية التي تحد من التوظيف في القطاع العام، يجب أن يتضاعف نمو القطاعات غير النفطية لتوفير فرص كافية في القطاع الخاص للباحثين عن العمل. وستكون هناك حاجة لإصلاح المنافع الاجتماعية، مدعومة بمواءمة سياسات سوق العمل في جميع القطاعات بما يتماشى مع ظروف السوق، لدعم القدرة التنافسية وجذب الاستثمار الخاص، وتقليل الضغوط على التوظيف في القطاع العام. وأشار خبراء الصندوق إلى أن وضع برنامج عمل الحكومة للفترة التشريعية السادسة عشرة تُعتبر أجندة طموحة للإصلاح المالي والهيكلي، ومن الأمور الجوهرية المضي قدمًا في اتخاذ تدابير إصلاح ملموسة ومتسلسلة بشكل جيد والتنفيذ الثابت، مصحوبة بمشاورات عامة واسعة.

وأشار خبراء الصندوق إلى أن هناك مجالًا لتحسين جودة التعليم وتوسيع التدريب المهني، حيث حققت دولة الكويت خطوات كبيرة في رفع مستوى التحصيل التعليمي في العقود الماضية، ولكن هناك مجالاً لتحسين كفاءة الإنفاق العام على التعليم وتعزيز الجودة والملاءمة. وأشار الخبراء إلى أنه وبالرغم من أن متوسط الإنفاق العام على التعليم في دولة الكويت مقارب لمستوياته في الاقتصادات المتقدمة، إلاّ أن نتائج اختبارات "تيميز" (TIMSS)، أقل من متوسط نتائج الاقتصادات المتقدمة.

وأكّد خبراء الصندوق على أن التدابير الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال من شأنها تعزيز ردود الفعل الإيجابية للإصلاحات في سوق العمل، وتحقيق المنافع الاجتماعية، فإصدار قانون الإفلاس الجديد في عام 2020 يعزز إجراءات الإفلاس للشركات، وذلك من خلال التأكيد على إعادة الهيكلة المبكرة لمديونية الشركات المتعثرة، ويسهل إعادة تخصيص الموارد من خلال السماح للشركات غير القادرة على البقاء بالخروج بشكل أكثر كفاءة.

ورحّبت البعثة بتأسيس مجلس التأديب في جهاز حماية المنافسة وأكدت أن بناء سجل إنجازات قوي في التعامل مع شكاوى الأعمال المتعلقة بالمنافسة العادلة وتعزيز الوعي العام سيكون مفيدًا في ضمان تكافؤ الفرص للشركات، كما رحّبت بالتحسينات الأخيرة في بيئة ممارسة الأعمال التجارية، ولا سيما في تبسيط الإجراءات وتعزيز استخدام المنصات الإلكترونية، كما نوهت بأهمية أن تستمر تلك الجهود الحكومية.

ولمعالجة القضية الحرجة المتمثلة في نقص الأراضي لأغراض التنمية، ستكون هناك حاجة إلى خارطة طريق لإصلاح الأراضي، بما في ذلك إدخال آليات قائمة على اقتصاد السوق، تتسم بالشفافية لتخصيص تلك الأراضي وتوفير المعلومات العامة في هذا الشأن.

وأشار البيان الختامي إلى أهمية توفير مزيد من الدعم لاحتضان الأعمال لمساعدة الشركات الناشئة وتعزيز الابتكار من خلال تقديم خدمات مثل التدريب على إدارة الأعمال والتسويق. ومن شأن أسواق الدين المحلية الأكثر تطورًا أن تُساعد في تنويع مصادر تمويل الشركات ودعم تنمية القطاع الخاص غير النفطي على نطاق أوسع. 

كما أشار خبراء الصندوق إلى أن التصدي بقوة للفساد وتحسين كفاءة الحكومة أمران حاسمان في استدامة الدعم العام للإصلاحات، حيث أشارت البعثة إلى أن معالجة الفساد لا تتطلب فقط معالجة قضايا الفساد بطريقة شفافة وفي الوقت المناسب، ولكن أيضًا إنشاء وتنفيذ إطار قوي لمكافحة الفساد. وأشارت إلى أن استراتيجية السلطات الكويتية بشأن النزاهة ومكافحة الفساد للسنوات 2019-2024 تهدف إلى معالجة الأشكال المختلفة للفساد من خلال تعزيز سيادة القانون، وتعزيز الشفافية والمساءلة المؤسسية، وتحسين دور القطاع الخاص والمجتمع المدني. وكجزء من جهود الدولة لتنفيذ الاستراتيجية، تم إصدار لائحة تنفيذية للقانون رقم 12 لسنة 2020 بشأن حق الاطلاع على المعلومات في يناير 2021، وهو أمر أساسي لتعزيز الشفافية وتقليل فرص الفساد. وأشار خبراء الصندوق إلى أن التنفيذ القوي لهذه الاستراتيجية لن يقتصر على مكافحة الفساد وتحسين كفاءة الحكومة بشكلٍ مباشر، بل سيساهم أيضًا في تحسين بيئة الأعمال بشكل عام.

وذكر البيان الختامي أن ظاهرة التغير المناخي تتطلب جهودًا متواصلة للتكيف والتخفيف منها، ورحبت البعثة بالجهود المبذولة في هذا الجانب، حيث أعربت الحكومة الكويتية عن التزامها بمواءمة النمو الاقتصادي مع متطلبات التنمية منخفضة الكربون والصديقة للبيئة في الخطة الإنمائية لدولة الكويت خلال السنوات 2019-2030. وفيما يتعلّق بتخفيف الانبعاثات الصادرة عن توليد الكهرباء، أشارت البعثة إلى أن السلطات الكويتية قد وجّهت إلى تحويل معظم محطات توليد الطاقة من استخدام النفط إلى الغاز الطبيعي. وأشارت إلى أن تسريع إصلاحات دعم الوقود الأحفوري من شأنه أن يساعد في تقليل انبعاثات الكربون، كما أن دعم البنية التحتية الخضراء وتعزيز معايير كفاءة الطاقة من شأنه أن يُساعد في مواجهة تغير المناخ والقدرة على جذب مستثمرين من القطاع الخاص والمساهمة في النمو والتنويع الاقتصادي.

وفيما يتعلّق بدور السياسات النقدية والمالية في حماية الاستقرار المالي، أشار خبراء الصندوق في البيان الختامي إلى أن سياسة ربط سعر صرف الدينار بسلة "غير معلنة" من العملات لا تزال دعامة ملائمة للسياسة، حيث تُساهم ببقاء التضخم منخفضًا ومستقرًا مع توفير استقلالية كبيرة للسياسة النقدية، في حين أن سعر الصرف الأكثر مرونة يمكن أن يدعم تطوير القطاعات غير النفطية القابلة للتداول بمرور الوقت. وفي المقابل فإن التخلي عن الربط سيكون له فوائد محدودة للقدرة التنافسية على المدى القريب ويُلغي الدعامة الاسمية الفعّالة للاستقرار النقدي. وأشارت البعثة إلى أن تصحيح الوضع الخارجي قد يكون أسهل مع ضبط أوضاع المالية العامة والإصلاحات الهيكلية. وفي ذات الوقت، تستمر جهود الإصلاحات في تحسين إدارة السياسة النقدية وتعميق أسواق النقد ورأس المال. وفي هذا الصدد، رحّبت البعثة بإنشاء لجنة الاستقرار النقدي في بنك الكويت المركزي.

وفيما يتعلّق بالسياسة الرقابية لبنك الكويت المركزي، أشاد خبراء الصندوق بمهارة بنك الكويت المركزي في الرقابة والتنظيم، ودوره في المحافظة على مرونة القطاع المصرفي، حيث عزز بنك الكويت المركزي مؤخرًا تقنياته الخاصة باختبارات الضغط من خلال استكمال المنهجية الحالية للتحليل التصاعدي بتطبيق منهجية التحليل التنازلي، ومعايرة ثلاثة سيناريوهات شديدة لاختبار الضغط، وقد أظهرت تلك الاختبارات أن النظام المصرفي الكويتي لا يزال قوياً في مواجهة الصدمات الصعبة. وأشارت البعثة إلى أن بنك الكويت المركزي قد أنشأ هيئة شرعية مركزية في أواخر عام 2020، وهي خطوة مرحب بها ومهمة لضمان التفسير المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في البنوك الإسلامية على المستوى الوطني.

وأخيرًا، أشار خبراء الصندوق إلى مواصلة بنك الكويت المركزي جهوده لتعزيز الأدوات التحوطية الكلية، والإطار التنظيمي، وشبكات الأمان المالي، حيث أشاروا إلى أن الأدوات التحوطية الكلية والتنظيمية مناسبة، والمراجعات المستمرة للبيئة التنظيمية والأدوات التحوطية الكلية من شأنها أن تضمن استمرار هذه الأدوات في تحقيق التوازن بين الاستقرار المالي والتعافي. كما أشار خبراء الصندوق إلى أن وضع اللمسات الأخيرة على الإطار الاحتياطي لمواجهة التقلبات الدورية وأطر عمل البنوك المحلية ذات الأهمية النظامية من شأنه أن يعزز الرقابة وإدارة المخاطر النظامية.

ورحّبت البعثة بإنشاء لجنة الاستقرار المالي في بنك الكويت المركزي والتي تهدف إلى تحسين كفاءة الإشراف وتوجيه قرارات السياسة التحوطية الكلية.

وأشار البيان إلى أنه قد تم تقديم مسودة قانون لتسوية أوضاع البنوك إلى الحكومة للمراجعة، والعمل جارٍ على الإطار القانوني لتقديم نظام لضمان الودائع. ويجري الإعداد، كما هو مخطط له، للتقييم المتبادل لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2022. كما رحبت البعثة بالجهود الجارية لتعزيز التكنولوجيا المالية من أجل زيادة الشمول المالي مع احتواء المخاطر.
 

زر الذهاب إلى الأعلى