الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية تنطلق غداً وسط تحديات دولية
(كونا) – تنطلق غدا الأحد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا وسط تحديات دولية غير مسبوقة يواجهها المرشحون ال 12 لاسيما ما يخص الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على المشهد الأوروبي عموما والفرنسي خصوصا وتحديدا أزمة المهاجرين التي تستعد فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية لاستقبالهم.
أما على الصعيد الداخلي فيبحث المرشحون عن الإجابة على تساؤلات الناخب الفرنسي حول المواضيع اليومية المختلفة مثل تحسين مستوى المعيشة والسكن والخدمات الصحية وغيرها من الاهتمامات التي تمس حياة الأشخاص اليومية.
وينص دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الذي تمت صياغته في عهد الجنرال الراحل شارل ديغول عام 1958 وأعيدت صياغته عام 1962 على إقامة انتخابات الرئاسة عن طريق الاقتراع المباشر كل خمس سنوات وتكون ولاية الرئيس المنتخب قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.
ويتصدر قائمة المرشحين الرئيس الحالي ومرشح حزب الجمهورية إلى الأمام (وسط) إيمانويل ماكرون ومرشحة حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) مارين لوبين ومرشح حزب فرنسا الأبية (يسار) جان لوك ميلانشون ومرشحة حزب الجمهوريون (يمين) فاليري بيكريس ومرشح حزب الاسترداد (يمين متطرف) ايريك زيمور.
وتظهر استطلاعات الرأي اليومية التي يقوم بها معهد دراسات الرأي الفرنسي (إيفوب) تقدم المرشحين الخمسة سابقي الذكر في السباق الرئاسي على باقي المرشحين وهم ناتالي ارتو مرشحة حزب النضال العمالي (يسار متطرف) ونيكولا ديبون – إينيان مرشح حزب انهضي فرنسا (يمين) وان هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي (يسار) ويانيك جادو مرشح حزب البيئة والخضر (يسار) وجان لاسال مرشح حزب لنقاوم (وسط) وفيليب بوتو مرشح الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية (يسار متطرف) وفابيان روسيل مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي (يسار متطرف).
وفي هذا السياق وفيما يتعلق بالسيرة الذاتية للمرشحين الخمسة الأبرز في هذا السباق الرئاسي والذين يتصدرهم الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ذو ال 44 عاما وهو الأصغر سنا بين جميع المرشحين.
فان ايمانويل ماكرون هو الرجل الذي قلب الموازين الانتخابية واعاد ترتيب المشهد السياسي بوضع حد لهيمنة قطبي الانتخابات الرئاسية في فرنساالحزب اليميني والحزب الاشتراكي وذلك بعد تأسيسه لحزبه الخاص المستقل (الجمهورية إلى الأمام).
وتولى ماكرون رئاسة الجمهورية في عام 2017 مبشرا بانفتاح أكبر على القارة الأوروبية والتوجه نحو زيادة التعاون والتنسيق مع رؤساء الدول الأوروبية لاسيما ألمانيا.
وواجه خلال فترة رئاسته العديد من التحديات أبرزها مظاهرات (السترات الصفراء) التي اجتاحت أكبر المدن الفرنسية احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود وتردي مستوى المعيشة تبعتها مطالبات بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.
وفي مطلع العام 2020 حلت أزمة جائحة (كورونا) وتداعياتها الاقتصادية والاغلاقات التي شهدها العالم إذ تم اتخاذ العديد من القرارات التي كانت محل سخط الشعب وأثقلت كاهله اقتصاديا واجتماعيا.
ومع اقتراب نهاية فترته الرئاسية تتجه الأنظار نحو الأزمة الأوكرانية وطريقة تعامله مع هذا الملف الأمني الساخن.
وقال الصحفي إرتور بيردا من صحيفة (لو فيغارو) الفرنسية المكلف بمتابعة أخبار (الإليزيه) والمتابع لمسيرة ماكرون شخصيا منذ سبع سنوات عن فترة ولايته إن الرئيس الفرنسي ينتعش سياسيا في حال الأزمات وأثبت ذلك في العديد من المواضع خلال فترة رئاسته وتحديدا خلال فترة الأزمة الصحية لـ (كوفيد19).
وأشار بيردا إلى أن الرئيس ماكرون كان في "حملة انتخابية مستمرة" طوال فترة رئاسته للجمهورية.
أما مرشحة حزب (التجمع الوطني) مارين لوبين 53 عاما فتخوض السباق الانتخابي الرئاسي للمرة الثالثة منذ عام 2012 وكانت قد حصلت على المركز الثاني في الانتخابات الأخيرة عام 2017.
لوبين التي أسست حزب التجمع الوطني على غرار حزب والدها جان ماري لوبين (الجبهة الوطنية) ذو النزعة اليمينية المتطرفة تواجه صعوبات في حملتها من ناحية تثبيت قواعدها الانتخابية وذلك منذ إعلان المرشح إيريك زيمور خوضه السباق الرئاسي واستدراجه لجماهير اليمين المتطرف بتصريحاته وخطاباته ضد المهاجرين والفرنسيين ذوي الأصول العربية والافريقية.
وقد خسرت لوبين دعم العديد من مقربيها لا سيما ابنة اختها ماريون مارشال التي كانت من أبرز القيادات المستقبلية للحزب قبل عام 2017 واعتزالها الحياة السياسية إذ أعلنت مؤخرا دعمها وانضمامها لمعسكر زيمور المتطرف.
ومن ابرز تطلعات لوبين إجراء استفتاء شعبي للحد من الهجرة إلى فرنسا وإلغاء (حق الأرض) الذي يكفل الجنسية الفرنسية لأي مولود من أبوين اجنبيين في حال ولادته في فرنسا ومنع المهاجرين من الاستفادة من المساعدات الاجتماعية التي تكفلها الدولة لهم وترسيخ السيادة والقانون الفرنسي على التشريعات والقوانين الأوروبية وإلغاء الضرائب على من هم أقل من 30 عاما.
والمرشح الثالث هو جان لوك ميلانشون 70 عاما وهو ذو فكر يساري وصاحب خبرة عريقة في البرلمانيين الفرنسي والأوروبي ومجلس الشيوخ إضافة لمنصبه كوزير سابق.
ويخوض ميلانشون الانتخابات الرئاسية عن حزبه (فرنسا الأبية) للمرة الثالثة ويعتبر وجه اليسار الفرنسي الأبرز بعد فترة رئاسة فرانسوا هولاند وتردي أحوال الحزب الاشتراكي في نتائج الانتخابات منذ ذلك الحين.
ويؤمن ميلانشون بأهمية تغيير العقيدة السياسية والاقتصادية للدولة كما يطالب بإصلاحات الوضع المعيشي للطبقة المتوسطة والفقيرة في فرنسا ومن أهم برامجه الانتخابية ضرورة تشكيل مجلس دستوري يناقش على إثره تعديلات جذرية على نظام الحكم والانتقال الى الجمهورية السادسة.
وحصل ميلانشون على المركز الرابع في الانتخابات الرئاسية عام 2017 بنسبة 58ر19 في المئة ويتطرق برنامجه الانتخابي إلى مشاكل السكن الخاص وقد تعهد ببناء 200 ألف وحدة سكنية سنويا كما يؤكد على رغبته برفع الحد الادنى للأجور إلى 1400 يورو وخفض سن التقاعد إلى 60 عاما.
ويعتبر ميلانشون من المعارضين للطاقة النووية ويفضل الاعتماد على الطاقة البديلة مثل أمواج المحيط السطحية وطاقة الرياح الكهروميكانيكية الصديقة للبيئة.
ويعتقد بضرورة خروج فرنسا من حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وأن تكون من الدول المحايدة في علاقاتها الدولية.
أما المرشحة فاليري بيكريس 54 عاما من (حزب الجمهوريون) فهي اول امرأة تنجح بتمثيل الحزب اليميني بعد نجاح الحزب في الانتخابات الرئاسية منذ جاك شيراك ونيكولا ساركوزي.
وحصلت بيكريس على ثقة الناخبين بالانتخابات الحزبية ضد ايريك سيوتي وتقود حملتها الانتخابية مقابل اليمين المتطرف المتمثل ب مارين لوبين وايريك زيمور وتحاول كذلك استدراج قواعد ماكرون الانتخابية.
وتمثل بيكريس اليمين الليبرالي وشاركت في الحكومات السابقة بعهد الرئيس ساركوزي كوزيرة التعليم العالي بين عامي 2007 و2011 ووزيرة الاقتصاد في عام 2011 و 2012.
وكانت بيكريس قد صرحت في مقابلة مع مجلة (لو بوان) الفرنسية بأنها "ثلثي ميركل وثلث مارغاريت تاتشر" في إشارة إلى سياستها الليبرالية الحازمة كما تصف نفسها باليمينية المتوسطة والقادرة على جمع ناخبي اليمين بمن فيهم أنصار إيمانويل ماكرون وايريك زيمور وتمثيلهم جميعا بالانتخابات الرئاسية.
ومن أبرز ما جاء في برنامجها الانتخابي خفض النفقات العامة وإلغاء 200 ألف وظيفة حكومية وتركيز التوظيف في مجالات الأمن والصحة والتعليم كما تتعهد برفع جميع الأجور بنسبة 3 في المئة عن طريق إلغاء بعض الاستقطاعات المباشرة على الأجور.
وتشير بيكريس إلى أهمية رفع سن التقاعد من 62 إلى 65 عاما على عكس ما يتطلع إليه مرشحو اليسار الفرنسي وتتفق مع مارين لوبين مرشحة (التجمع الوطني) بإلغاء حق الأرض بالتجنيس.
أما المرشح إيريك زيمور 63 عاما فهو صحفي فرنسي من أصول جزائرية يهودية وهو الوجه الإعلامي الأبرز في برامج المناظرات الجدلية على التلفزيون الفرنسي وهو كاتب سابق في صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية.
وقرر زيمور الترشح للانتخابات الرئاسية بعد مسيرة مهنية في مجال الاعلام والصحافة قاربت ال 30 عاما عرف من خلالها بنظرياته الجدلية حول موضوع الهوية الوطنية وانتقاداته اللاذعة لجميع الأحزاب والتيارات السياسية في فرنسا.
ويولي زيمور أهمية قصوى للمسائل الأمنية وحفظ الهوية الوطنية الفرنسية ومعارضته لسياسات الهجرة والتسهيلات التي تقدمها الدولة للمهاجرين" إذ يعتبر أن المهاجرين وخصوصا القادمين من دول شمال افريقيا والدول الإسلامية يشكلون خطرا على ديموغرافية الدولة ويسميه (الاستبدال العظيم) لسكان فرنسا وإرثهم المسيحي حسب تعبيره بالمهاجرين من أصول افريقية وعربية".
وقال زيمور في تصريحات تلفزيونية سابقة عام 2016 "إن فرنسا تعيش غزوا إسلاميا منذ 30 عاما" وقد تمت ادانته من قبل القضاء الفرنسي على نشر الكراهية بين الديانات في أكثر من مناسبة.
ويتميز برنامجه الانتخابي بالعديد من المقترحات المناهضة للهجرة والتضييق على المهاجرين بامتيازاتهم التي تقرها الدولة لهم مثل إلغاء المساعدات الإسكانية وإلغاء حق لم شمل الأسر واللجوء إلى طرد المهاجرين غير النظاميين وإلغاء المساعدات الاجتماعية والطبية للأجانب غير الأوروبيين.
كما يتوعد بمنع ارتداء الحجاب كليا في الأماكن العامة في فرنسا وبإجراء استفتاء شعبي لمنع الأسماء "غير الفرنسية" للمواليد الجدد في فرنسا كما يتعهد بإلغاء (برنامج الدراسات الدولية للغات الأجنبية EILE ) وبالأخص اللغة العربية والتركية.
ويحتل زيمور المركز الرابع بين المرشحين للانتخابات الرئاسية حسب استطلاعات الرأي التي يقدمها مركز (إيفوب) بنسبة 11 في المئة.