«المركزي».. نجح في تحصين الاقتصاد والحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي
تواجه جميع البنوك المركزية حول العالم تحديات غير مسبوقة في رسم وتحديد أدوات السياسة النقدية الملائمة، وذلك في ظل قتامة وارتباك المشهد الاقتصادي، نتيجة استمرار معدلات التضخم القياسية، التي استدعت التشدد بالسياسات النقدية والذي تزامن مع السحب غير المنظم للإجراءات المالية التيسيرية الاستثنائية لمعالجة أزمة جائحة كورونا، ما خلق حالة من عدم اليقين حيال النمو الاقتصادي العالمي، إذ تواجه البنوك المركزية معضلة خلق حالة من التوازن بين خيار كبح جماح التضخم من جهة، وعدم التأثير على معدلات النمو الاقتصادي المتجهة إلى الركود من جهة أخرى.
وبحسب خبراء في الصناعة المالية، فإن بنك الكويت المركزي خلال الفترة الماضية كانت لديه رؤية واضحة ودقيقة لرسم السياسات النقدية الملائمة للكويت، وذلك استنادا إلى رصده للتطورات الاقتصادية والنقدية في الأسواق المحلية والدولية عن كثب، واتخاذه ما يلزم من تدابير تكفل المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي المحلي، وفقاً لـ «الأنباء».
كما يقوم البنك المركزي بتطبيق ما تقتضيه كل مرحلة من سياسات نقدية مستخدما أدوات السياسة النقدية الأخرى المتاحة له لإدارة المشهد النقدي، بهدف تحصين الاقتصاد المحلي بكل قطاعاته، ودرءا لأي انعكاسات خارجية محتملة قد تطول الاقتصاد الوطني المرتبط مع مختلف الاقتصادات العالمية.
علما أن عام 2022 قد شهد تطورات تضفي على الأجواء قتامة متزايدة، فانكمش الناتج العالمي في الربع الثاني من هذا العام، نتيجة لهبوط النشاط في الصين وروسيا، بينما جاء الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة دون مستوى التوقعات.
وتعرض الاقتصاد العالمي الضعيف في الأساس جراء جائحة كورونا لعدة صدمات أخرى، إذ ارتفع التضخم عن المستوى المتوقع على مستوى العالم، خاصة بالولايات المتحدة ودول أوروبيا ما تسبب في تشديد الأوضاع المالية، وتباطأ النشاط بصورة أسوأ من المتوقع في الصين، نتيجة لموجات تفشي كورونا وإجراءات الإغلاق العام، علاوة على ظهور تداعيات سلبية أخرى نتيجة الحرب في أوكرانيا.
فالتخوف من انزلاق الاقتصاد العالمي الى ركود اقتصادي محتمل، لاسيما الاقتصادات الكبرى، أملى على «المركزي» اتخاذ سياسة نقدية تتسم بالتأني والتدرج في رفع سعر الخصم بهدف تجنيب الاقتصاد المحلي بكافة قطاعاته، خاصة القطاعات غير النفطية، مخاطر انعكاس اثر تراجع النمو الاقتصادي العالمي وانتقال أثر السياسات النقدية للبنوك المركزية العالمية إلى الاقتصاد المحلي.
وما يعزز من السياسة الحصيفة لبنك الكويت المركزي، والتي تعتمد التأني والتدرج، هي التنبؤات الأساسية لصندوق النقد الدولي، والتي أشارت إلى تباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي من 6.1% في العام الماضي 2021 إلى 3.2% في عام 2022، وأن تشديد السياسة النقدية سيكون له تكاليف اقتصادية لا مفر منها، كما سيؤثر على الاستقرار المالي.
وكذلك ما تضمنه تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الانكتاد» من تحذير بأن الركود العالمي الناجم عن السياسات يمكن أن يكون أسوأ من الأزمة المالية العالمية في الفترة من 2007 إلى 2009، وأن التشديد النقدي المفرط وعدم كفاية الدعم المالي قد يؤدي إلى تعريض اقتصادات العالم النامي لمزيد من الأزمات المتتالية، مع توقع تباطؤ النمو العالمي إلى 2.2% في عام 2023.
كما أن الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة، سوف تجلب الضرر الأكبر للفئات الأكثر ضعفا، حيث شهدت 90 دولة نامية ضعفا في عملاتها مقابل الدولار هذا العام.
وفيما خص التطورات الاقتصادية المحلية، يطمئن البنك المركزي من خلال تصريحاته وما ينشره من بيانات إلى سلامة ومتانة الأوضاع المصرفية والنقدية والتي انعكست في كل المؤشرات. ففي حين شهد الدولار الأميركي ارتفاعات قياسية خلال العام الحالي مقابل العملات الرئيسية، ليرتفع مقابل اليورو بنحو 11.5%، والجنيه الإسترليني بنحو 10.6%، ومقابل الين الياباني بنحو 18.6%، ارتفع مقابل الدينار الكويتي بحوالي 1.5%.
وهو ما يؤكد من جديد صحة وسلامة سياسة سعر الصرف التي يتبعها بنك الكويت المركزي والقائمة على ارتباط الدينار بسلة من العملات التي تعكس أهم العلاقات التجارية والمالية للكويت مع الدول الرئيسية الأخرى، وذلك تماشيا مع سياسة البنك المركزي الرامية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار بين الدينار الكويتي والعملات الرئيسية، والمحافظة على الاستقرار النسبي في سعر صرف الدينار الكويتي وعلى قوته الشرائية، وعلى استقرار الأسعار في الداخل.
وفي موازاة ذلك، فإن أحد أهداف السياسة النقدية لدى البنك المركزي هو الحفاظ على استقرار الأسعار، فعلى الرغم من وصول معدلات التضخم في بعض الدول الرئيسية في العالم الى مستويات قياسية، حيث بلغ متوسطها خلال الأشهر الستة المنقضية في الولايات المتحدة الأميركية نحو 8.55%، وفي مجموعة دول الاتحاد الأوروبي نحو 8.2%، وفي بريطانيا نحو 9.0%، بلغ متوسطها في الكويت خلال الفترة نفسها حوالي 4.4%، ومسجلة بداية تراجع مستمر منذ شهر مايو الماضي، وتلك البيانات تدعم دون أدنى شك السياسة النقدية الحكيمة التي ينتهجها بنك الكويت المركزي والتي تستلزم عادة فترة من الزمن لتظهر آثارها على الاقتصاد المحلي.
وفيما يتصل بتوطين الودائع المقومة بالعملة الوطنية وعدم تحولها الى عملات أجنبية نتيجة عدم مجاراة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في حجم الرفع في سعر الفائدة، تشير بيانات القطاع المصرفي الكويتي إلى ارتفاع إجمالي ودائع القطاع الخاص في نهاية أغسطس 2022 مقارنة بالشهر نفسه من 2021 بنحو 2.79 مليار دينار، أي بما نسبته 6.3%.
في حين ارتفعت الودائع المقومة بالدينار الكويتي (الذي يشكل ما نسبته 95.2%) خلال الفترة ذاتها بنحو 1.61 مليار دينار، أي ما نسبته حوالي 5% لتصل إلى 34.47 مليار دينار، حيث شهدت تلك الودائع ارتفاعا يفوق المستويات التي كانت مسجلة قبل الجائحة خلال الأعوام 2017-2019 والبالغ متوسطها نحو 33.02 مليار دينار. أما الودائع بالعملات الأجنبية فقد ارتفعت بنحو 103 ملايين دينار فقط، أي بنحو 6.3% لتصل إلى 1.73 مليار دينار بنهاية أغسطس 2022، ولكنها لم تصل بعد إلى المستويات التي سجلتها قبل الجائحة والبالغ متوسطها خلال الفترة 2017-2019 نحو 2.56 مليار دينار.
وتشير البيانات المتوافرة خلال الأشهر الـ 6 الماضية (مارس – أغسطس 2022)، إلى ارتفاع ودائع القطاع الخاص بالدينار الكويتي بنحو 684 مليون دينار (بما نسبته 2%) لتصل إلى نحو 34.47 مليار دينار، في حين ارتفعت الودائع المقومة بالدولار الأميركي خلال الفترة نفسها بنحو 169.2 مليون دينار (بما نسبته 10.8%) لتصل الى نحو 1.73 مليار دينار، حيث شكلت ودائع القطاع الخاص بالدينار الكويتي ما نسبته 95.2% من إجمالي تلك الودائع.
ما يؤكد أيضا صوابية السياسات التي ينتهجها بنك الكويت المركزي نحو تعزيز النمو الاقتصادي ومساعدة البنوك الكويتية للقيام بدورها في هذا الإطار، تشير البيانات المتوافرة بأن إجمالي التوزيع القطاعي لأرصدة الجزء النقدي المستخدم من التسهيلات الائتمانية للمقيمين قد بلغ (باستثناء التسهيلات الشخصية التي تشمل القروض الإسكانية والاستهلاكية) نحو 28 مليار دينار بنهاية أغسطس 2022، بزيادة قدرها 1.96 مليار دينار عن الفترة نفسها من 2021، أي بما نسبته 7.5%.
وغني عن البيان القول إن توجه تلك التسهيلات إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة من شأنه دعم النمو الاقتصادي وزيادة الانتعاش خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، أخذا بالاعتبار الأثر الإيجابي للتسهيلات الائتمانية على النمو الاقتصادي لاسيما القطاع غير النفطي.