«الفقع».. نبات فطري تجود به الصحراء بعد موسم الأمطار
(كونا) – بلا ورق أو أزهار أو ساق وأيضا بلا جذور ويعد أحد كنوز الأرض المدفونة على امتداد الصحراء يزيح التراب عن وجوده مع أشعة الشمس وقت الشروق عندما تلامس نهايات تلك الأشعة بشرته البيضاء ليظهر على استحياء من بين شقوق التربة إنه نبات الفقع «الكمأ» الأغلى ثمنا ويعشقه الكويتيون وأهل الصحراء.
ويتزامن «الفقع» ذو الرائحة العطرية الممزوجة برائحة المطر والتراب سنويا مع فرحة أعياد البلاد الوطنية بما يشيع البهجة أينما حل.
والفقع ترافقه متعة المغامرة والبحث عنه «التفقع» بين الصخور والنباتات البرية العطرية خصوصا مع أجواء الربيع الساحرة في حين تعادل فرحة العثور عليه واحتضانه وجمعه التلذذ بطعمه وهو مشوي على حطب الرمث برائحة ينشرح لها الصدر.
وقال الباحث عضو فريق عدسة البيئة الكويتية عودة البذالي إن «الفقع» نوع من الفطريات التي تتكون بعد هطول الأمطار وارتواء الأرض منها إذ تنبت في المناطق الصحراوية والبيئات الرملية وتتواجد على شكل مجموعات يتجاوز عددها ما بين 10 و20 حبة في المكان الواحد وتزخر بالعديد من العناصر الغذائية التي يحتاجها جسم الإنسان.
وأضاف البذالي أن الفقع الذي يسمى أيضا «الترفاس» نبات فطري يشبه في شكله البطاطا مع اختلاف اللون والرائحة وينمو في الصحاري وكذلك في التربة الطينية الناعمة قليلة الملوحة.
وذكر أن وجوده يرتبط مباشرة بهطول الأمطار خاصة في موسم «الوسم» الذي يبدأ في منتصف شهر أكتوبر سنويا والمصحوب بالبرق والرعد وينمو ويزدهر في المناطق الصحراوية والبيئة الرملية حيث يعمل البرق على زيادة تركيز أكسيد النيتروجين «الآزوت» في الهواء لتتحد مع قطرات المطر التي تسقط على الأرض منبتة أنواعا من الفطريات من بينها «الفقع» وهذا يفسر تسميته أيضا بـ«بنت الرعد».
وأوضح أنه ينمو في الطبقة الرملية القريبة من سطح الأرض على بعد سنتيمترات قليلة وعلى أعماق متفاوتة تتراوح ما بين 2 و50 سم ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض ويخرج بكثرة في المواسم التي يكثر فيها البرق والرعد وهو ينمو في مناطق لم تطأها أقدام بشر.
ولفت إلى أن «الفقع» فطر متطفل يحتاج إلى نبات يعوله مثل أشجار محددة لعل أشهرها «الرقروق» و«الجريد» إذ يعتمد على وجود نبات عائل يعيش معه بصورة تكافلية.
وأفاد البذالي بأن «الفقع» يتكون عادة في مستعمرات وشكله كروي لحمي رخو منتظم وسطحه أملس وتتدرج ألوانه ما بين الأبيض والبيج والأسود.
وقال إن الحدود الشمالية للبلاد تعتبر من أفضل الأراضي التي ينبت فيها حيث يتكاثر في صحاريها نبات «الرقوق» و«الجريد» في حين يستدل على وجوده بانتفاخ في الأرض.
وأضاف البذالي أن أنواع «الفقع» تختلف بحسب التربة التي ينمو فيها وكذلك يتأثر بنوع النباتات التي ينمو بالقرب منها فيتدرج لونه ويكون بأحجام متفاوتة إذ يتراوح حجم الحبة الواحدة مابين 3 و50 سم تقريبا أما الوزن ما بين 20 و 400 غرام.
ولفت إلى أن «الفقع» يعد نادرا وينمو وحده وتصعب زراعته داخل بيئات اصطناعية في حين يعرف مكان نموه إلى جانب تشقق الأرض بتطاير الحشرات فوق الموقع.
وبين أنه يحتوي على نسبة من البروتينات والنشويات والدهون ومعادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم كما يحتوي على فيتامين «ب 1 و ب 2 » وهي غنية بفيتامين أ.
أضاف أنه يحتوي كذلك على كمية من النيتروجين بجانب الكربون والأكسجين والهيدروجين وهذا ما يجعل تركيبه شبيها بتركيب اللحم وطعم المطبوخ منه مثل طعم كلى الضأن ويحتوي الأحماض الأمينية الضرورية لبناء خلايا الجسم.
وقال البذالي إن من أشهر أنواع الفقع في المنطقة «الخلاص» و «الجبأة» و «الهبيري» و«الزبيدي» والأخير يعد أجودها ويتميز برائحته المتميزة ولونه المائل البياض وحجمه الكبير الذي قد يصل إلى حجم الأترجة الكبيرة «نوع من الحمضيات يشبه البرتقال» ويعد الأغلى سعرا فهو ذو قيمة غذائية عالية إذ يحتوي على كمية كبيرة من البروتينات وغني بفيتامين أ يليه الفقع «الخلاسي» بلونه الأحمر الداكن وقشرته الصلبة.
وزاد بقوله إن «الخلاص» يتميز بلونه البني المائل إلى الرصاصي وهو أصغر حجما مقارنة بالزبيدي لكنه في بعض المناطق بأنه ألذ وأعلى في القيمة في حين يميز «الجبأة» باللون البني المائل إلى الوردي وهو أقل جودة من الخلاص وانتشارا.
وأوضح أن «الهبيري» يتميز بلونه البني الداكن المائل إلى الأسود وهو سريع النمو ويظهر بعد أمطار الوسم بـ20 يوما تقريبا وظهوره دليل على ظهور أنواع «الزبيدي» و«الخلاص» و«الجبأة» القريب إلى اللون الغامق الأسود وكمأ «الهوبر» الأسود ولكل نوع رائحته وطعمه المختلف بحسب نوع التربة التي نبت فيها.
وذكر البذالي أن ظهور «الفقع» يكون خلال 70 يوما من «الوسم» ويستدل به من نبات الرقة وهي إحدى تسميات الرقروق.
ويبدأ موسم التقاط «الفقع» عادة في أواخر شهر يناير ويستمر حتى فبراير ويمتد أحيانا إلى مارس.
وأشار البذالي إلى أن من طرق حفظه «الفقع» قديما تقطيعه إلى شرائح يتم تجفيفها على بيوت الشعر أو سقوف المنازل في الهواء الطلق لاستعماله خلال الصيف مضيفا أن أهل البادية كانوا يحذرون من مغبة الإكثار من أكله وما قد يسببه من أمراض بعكس الجراد الذي يفيد أكثر فقالوا «إذا جاء الفقع صر الدوا.. وإذا جاء الجراد أنثر الدوا» كما كان أهل البادية سابقا يسمون الفقع بـ"لحم من غير عظم".
وفيما يتعلق بطرحه في الأسواق قال البائع في سوق الفقع بمنطقة الري خلف العنزي إن الموسم لا يزال في بدايته حيث تتراوح أسعار الكيلوغرام الواحد ما بين الـ15 والـ50 دينارا كويتيا «نحو 49 و164 دولارا امريكيا على التوالي» بحسب نوع وحجم الكمأة لافتا إلى وفرة المستورد مقارنة بالمحلي والخليجي.
وتابع العنزي أن الأسعار ستشهد انخفاضا خلال الأيام المقبلة إذا ما دخلت كميات أخرى من دول الجوار فضلا عن الفقع الكويتي الأكثر طلبا بين الزبائن.
وزاد أن شهر فبراير يشهد دخول أنواع متفرقة من الفقع مما يسهم في جذب المواطنين والمقيمين للسوق.