أعرب طبيب جراح بريطاني عن صدمته مما رآه داخل غزة، جراء الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ أكثر من شهر، وقال الجراح الذي كان أول من استقل رحلة إجلاء من غزة إلى المملكة المتحدة، بعد أن تقطعت به السبل في القطاع، إنه «يحتاج إلى دهر لنسيان» أهوال الحرب.
الطبيب هو عبيد الحماد، 67 عاماً، الذي يعمل جراحاً استشارياً في مستشفى ليفربول الملكي، وكان من بين العشرات من عمال الإغاثة الدوليين الذين سُمِح لهم بالمرور عبر معبر رفح الحدودي إلى مصر قبل ركوب طائرة إجلاء إلى المملكة المتحدة، مساء الجمعة 3 نوفمبر 2023، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Times البريطانية، الأحد 5 نوفمبر 2023.
يُعد الحماد مؤسس فرع غزة «المُنقِذ للحياة» لمبادرة ليفربول الدولية لزراعة الأعضاء، التي أنشأها قبل عشر سنوات، «لتقديم عمليات زرع الكُلى الحيوية، مع تدريب الأطباء على إجراء العمليات بأنفسهم».
أجرى الطبيب أول عملية زرع كلية في غزة في عام 2013، ودخل غزة في 6 أكتوبر 2023 لتدريب الأطباء على عمليات زرع الكُلى، قبل يوم واحد من هجوم 7 أكتوبر 2023.
لدى وصوله إلى مطار القاهرة الدولي، قال الحماد: «لم أستوعب أنني غادرت بعد. أفكر في رائحة الموت. عندما تسير وسط الدمار في غزة، بإمكانك شم رائحة الجثث العديدة العالقة تحت الأنقاض. سأحتاج إلى دهر لنسيان ذلك».
كان الحماد يعمل نيابة عن منظمة الصحة العالمية، التي وجّهته إلى بر الأمان، خلال فترة وجوده في قطاع غزة، بعدما أعلنت إسرائيل حصاراً كاملاً على الغذاء والماء والكهرباء في القطاع. وهو واحد من حوالي 500 مواطن مزدوج الجنسية سُمِح لهم بمغادرة غزة، ومن بينهم ما يُقدَّر بنحو 100 مواطن بريطاني.
يقول الحماد إنه «محظوظ على عكس غيره من البريطانيين الذين تقطّعت بهم السبل في غزة»، وقال أيضاً إنه كان يُطعَم حصصاً مقسمة من الطعام، التي تُنقَل في مركبة مدرعة تابعة للأمم المتحدة إلى جنوب غزة، كما طُلِب منه البقاء في مبانٍ محددة في المناطق الآمنة التي نسقتها منظمة الصحة العالمية لعمالها.
على الرغم من الحماية المقدمة له، إلا أن حماد يتذكر أسابيع من الليالي الطوال المليئة بالخوف. ويقول: «كل بضع دقائق، كنا نستيقظ على أصوات الغارات الجوية والقصف في كل مكان حولنا. وكان هناك 25 شخصاً ممددين على الأرض العارية. كان الزجاج يتطاير عبر النوافذ. وفي الليلة الأولى، كان 12 ألف شخص يحتمون في مبنى المكاتب نفسه الذي نسكن فيه».
كما أوضح أنه أمضى أياماً يعالج عائلات بأكملها أصيبت جراء الغارات الجوية؛ وقال: «كنت أنظر إلى الأطفال والأمهات والجدات؛ عائلات بأكملها»، مضيفاً: »شاهدت جهودي بأكملها تضيع.
يؤلمني أنه في غضون 10 سنوات، ربما أنقذت مئات المرضى من خلال عمليات زرع الكُلى وغسيل الكُلى، ثم قُتِل الآلاف في ثلاثة أسابيع فقط؛ ما يعني أنَّ جهودنا عديمة الفائدة».
تابع الطبيب أن «الفوضى تدب على الحدود. قال لنا الناس عندما غادرنا: ستتركوننا، ستتخلون عن غزة. إنه أمر مفجع. لقد رأينا الناس يطرقون على مستودعات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فقط للحصول على الدقيق؛ لأنه لم يكن لديهم ما يأكلونه. كان الناس يتقاتلون من أجل الماء. كان هناك الكثير من الذعر».
أشار الحماد إلى أن الافتقار إلى الإرادة السياسية لمحاولة وقف إراقة دماء السكان المدنيين أمر صادم حقاً. وقال إنه فقد الاتصال منذ ذلك الحين بزملائه، بما في ذلك شخص عاد إلى شمال غزة المعزول الآن لدفن ابنته التي قُتِلَت في غارة جوية.
وصف الحماد الوضع قائلاً: «إنها كارثة تفوق الخيال. وأحذر الآن أنها إذا استمرت، فسوف يكون هناك تفشٍ للأمراض. ولن يكون هناك قانون ولا نظام».
ومع بدء الشهر الثاني من الحرب الإسرائيلية على غزة، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة، قتل فيها 9770 شهيداً فلسطينياً، منهم 4800 طفل و2550 سيدة، وأصاب أكثر من 24 ألفاً آخرين، كما قتل 153 شهيداً فلسطينياً واعتقل 2080 في الضفة الغربية، بحسب مصادر فلسطينية رسمية.