دروس لقاح «عبد الله» الكوبي المُهمة ضد وباء كورونا
إذا كانت بلدان صناعية كبرى لاتزال حتى الآن غير قادرة على تطوير لقاحات ناجعة ضد وباء كورونا، فإن كوبا تستعد لتسويق لقاح عبدالله أحد اللقاحات الأربعة التي تطورها بالاعتماد على تجربتها الطويلة في مجال تطوير لقاحات محلية وعلى الدروس الكثيرة التي استوعبتها من خلال تجاربها البحثية المتعلقة أساسا بالفيروسات وسبل التصدي لها سواء عبر التقنيات الكلاسيكية أو التكنولوجيا الأحيائية.
أما اللقاحات الثلاثة لأخرى التي يطورها الكوبيون حاليا فهي تحمل أسماء «ممبيسا» و«وسوبرانا 1» و«سوبرانا 2» وميزة « عبد الله» عن اللقاحات الكوبية الأخرى أن كل التجارب السريرية التي أجريت عليه في مختلف مراحلها أثبتت أنه ناجع بنسبة 92 فاصل 22 في المائة أي أنه قادر على الالتحاق بركب اللقاحات الأفضل المتوافرة حاليا، وفقاً لـ «مونت كارلو».
والواقع أن إطلاق اسم عبد الله باكورة اللقاحات الكوبية ضد فيروس كورونا يُعد أحد الدروس الأساسية التي يمكن الخروج بها من وراء المنهجية الكوبية في التعامل مع الوباء. فقد حرص الباحثون الكوبيون على اختيار هذا الاسم تكريما لخوسي خوليان مارتي بيريث الكاتب الكوبي الذي لعب دورا مهما في القرن التاسع عشر للمساعدة على تخليص كوبا من ربقة الاستعمار الإسباني. فهذا الكاتب الذي ولد عام 1853 ومات مبكرا في عام 1895 وهو يحمل السلاح ضد المستعمر الإسباني وظف جزءا كبيرا من شخوص أعماله الإبداعية للمساهمة في صهر روح وطنية كوبية ضد هذا المستعمر. و»عبد الله « هو عمل مسرحي وضعه الكاتب في شبابه تدور وقائعه في منطقة النوبة المصرية ويتقمص دور البطولة فيه شاب عربي يُسمى عبد الله يقرر ترك والدته وأخته للالتحاق بساحة المعركة ضد المحتل مع جنود يقودهم ويسعى دوما إلى شحذ هممهم وجعلهم حريصين على المصلحة العامة وعلى حماية الوطن أكثر من حرصهم على أنفسهم وعلى أهلهم.
وقد اهتدت عدة بلدان صناعية كبرى من خلال تجربها مع جائحة كورونا أنها فقدت شيئا فشيئا ما يسمى « السيادة الطبية « بسبب سياسات خاطئة. وهو مثلا حال فرنسا التي تراجعت فيها صناعة الأدوية في العقود الأخيرة إلى حدود جعلتها تستورد جزءا كبيرا من الأدوية من بلدان أوروبية أخرى ومن الهند. وبالرغم من أن لوي باستور يعد مهندس اللقاحات، فإن فرنسا لم توفق حتى الآن في التوصل إلى لقاح لعدة اعتبارات منها أن القطاعين العام والخاص لم يستثمرا بما فيه الكفاية في التكنولوجيا الأحيائية التي ساعدت على الحصول على لقاحات ناجعة ضد كورونا في وقت قصير.
أما كوبا، فإنها عرفت في المجال الطبي كيف تحول المعوقات إلى فرص تفتح أفقا أمامها. فالنظام الذي أرساه فيديل كاسترو عام 1959 جعل من حماية المواطنين الصحية هما يوميا كان لابد من أخذه في الحسبان أيا تكن المآخذ الكثيرة التي تؤخذ عليه. لم يحل الحظر الأمريكي المفروض على كوبا منذ عام 1962 دون وضع استراتيجية صحية كوبية من محاورها الأساسية تطوير المهارات البشرية الطبية القادرة على توظيف الطب الوقائي في الحماية الصحية وفي ترسيخ السيادة الوطنية في مفهومها الشامل. ومن محاورها الأخرى تطوير الأبحاث والعلاجات القائمة على التكنولوجية. وهذا ما سمح لكوبا بأن تصبح مرجعا في البعثات الطبية العالمية المتخصصة أساسا في التصدي لأمراض وأوبئة تتسبب فيها فيروسات.
ولابد من التذكير هنا بأن كوبا كانت قد أوفدت مع بدايات انتشار وباء كورونا في العالم في ربيع عام 2020 قرابة ألفي طبيب إلى عدة بلدان انتشر فيها الفيروس بشكل لافت ومن هذه البلدان الصين وإيطاليا. وكان كثير من الأطباء في هذه البلدان لا يعرفون تقريبا أي شيء أو يكاد عن فيروس كورونا. ومع ذلك فهم يقرون بأن الخبرة التي اكتسبها الأطباء الكوبيون في التعامل مع الأمراض والأوبئة التي تتسبب فيها فيروسات قد ساعدت كثيرا في الحد من مخاطر هذا الفيروس وأساليب انتشاره.
وإذا كان قادة كثير من البلدان الصناعية الكبرى قد ألحوا طوال أشهر على ضرورة تطعيم سكان العالم كله لتطويق الوباء، فإن التجربة أثبت حتى الآن أن اللقاحات التي تبرعت بها هذه البلدان لبلدان نامية غير قادرة على شراء اللقاحات المتوفرة لا تفي بالحاجة المطلوبة وأن هناك فرقا بين القول والفعل. والحقيقة أن توصل كوبا إلى تطوير عدة لقاحات منها لقاح عبد الله من شأنه أن يحمل اليوم وغدا أصحاب القرارات السياسية في كثير من البلدان النامية على وضع استراتيجيات صحية وقائية ناجعة مستوحاة من الاستراتيجية الكوبية .