آسيا وكورونا.. بين نجاحات وإخفاقات
مر عام على انتشار وباء كورونا في جميع أنحاء العالم، ولا يزال الوضع قاتما على الرغم من الرغبات السائدة في أن يكون عام 2021 أكثر إشراقا وصحة بفضل الإنتاج السريع للقاحات وحملات التطعيم. من جهة أخرى، تبدو القارة الآسيوية غير مثقلة بالهموم الاقتصادية مثل نظيراتها، وكأنها تعيش في كوكب آخر.
لا يخفى على أحد أن جائحة كورونا تسببت في خسائر فادحة في الأرواح وأنهكت اقتصاد دول العالم بشكل مدمر، ففقدان ملايين الوظائف لوحده كان كافيا لوقوع عدد مذهل من الناس في براثن الفقر المدقع ومواجهة تهديدات خطيرة للأمن الغذائي، وفقاً لـ «مونت كارلو».
من جهة أخرى، برزت قوة شرق آسيا في إدارة أزمة كوفيد-19 بشكل أفضل من دول غربية عدة. ففي مارس 2021، أعلنت تايوان عن إصابة 955 مؤكدة بالفيروس وتسع حالات وفاة فقط، في حين كانت بريطانيا، التي يبلغ عدد سكانها أكبر بثلاث مرات، تعاني من حوالي 4.2 مليون حالة مؤكدة و123 ألف حالة وفاة. لهذا، قد تعزى أهمية آسيا في الاقتصاد العالمي لكونها أقل تأثرا من الأزمة الحالية.
تنامي قطاع التكنولوجيا
قد تكون الملصقات التي نجدها على الهواتف الذكية والأدوات الإلكترونية دليلا كافيا عما تشهده آسيا من نمو لقطاع التكنولوجيا، بالرغم من أنها لا تحظى بإعجاب بعض الدول الأخرى الرائدة في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال، برزت الصراعات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين “أكبر مصنع في العالم”. وكان واضحا التخوف الأمريكي من سيطرة الصين على سوق التقنيات التكنولوجية المتطورة.
وعلى النقيض من ذلك، ما تزال دول آسيوية، كتايوان وكوريا الجنوبية، تلتزم بالاستثمار في البحث والتطوير إذ استحوذت آسيا على 87 في المائة من إيداعات البراءات على مدى العشر سنوات الماضية.
لكن تقنيات اليوم الجديدة المحيرة للعقل، مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، أدت إلى اضطرابات ظهرت آثارها على النمو والتوظيف في جميع اقتصادات آسيا. ففي كمبوديا، حيث يمثل قطاع المنسوجات والملابس حوالي 90 في المائة من الصادرات المصنعة، يكافح أكثر من 600 ألف عامل للحفاظ على عملهم بسبب الانتقال المتزايد إلى الآلات والاعتماد على التكنولوجيا.
علاوة على ذلك، تمثل حقوق العمل الجماعية والفردية معضلة كبيرة في دول شرق آسيا إذ ما تزال قوانين العمل في معظمها أقل بكثير من معايير العمل الدولية.
وبالرغم من أن الأجور في آسيا ارتفعت إلى ما يقرب من ضعفين ونصف منذ بداية القرن، إلا أن العديد من التقارير تقول إن أكثر من ثلث العمال يعيشون تحت خط الفقر العالمي، أي أقل من دولارين في اليوم.
دور قيادي في مسألة تغير المناخ
من المعروف أن الدول الآسيوية قطعت أشواطا متقدمة فيما يخص معالجة تغير المناخ لكونها من بين أكبر المساهمين في علاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السنوات الأخيرة.
وتعتبر الصين رائدة في إنتاج الطاقة المتجددة إذ تستثمر بشكل كبير لمفهوم البيئة الخضراء، فهي أكبر منتج ومصدر للألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية وتوربينات الرياح في العالم.
إلا أن صورة الصين في مجال البيئة ليس باللامع إلى هذا الحد، فقد شهدت البلاد انتعاشا كبيرا في الانبعاثات من محطات الطاقة والصناعة والنقل بعد رفع الإغلاق واستئناف النشاط الاقتصادي والإنتاج الصناعي، بالإضافة إلى إنتاج واستهلاك الفولاذ والفحم المتزايد منذ عام 2017.
وهنا يمكن المأزق الذي يواجهه القادة في الدول الآسيوية، فعلى الرغم من التزامهم القوي المعلن لمكافحة التلوث، إلا أنهم لا يستطيعون مقاومة رغبتهم في السعي لتحقيق نمو اقتصادي قوب من أجل ضمان التوظيف والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وفي نفس السياق، كانت الشركات في فيتنام تحقق أرباحا من إعادة تدوير النفايات المستوردة من الصين، لكن كبار المسؤولين حذروا من أن هذه الممارسة تتطلب تكلفة بيئية عالية ويجب أن تتوقف. لكن من الواضح أن هذه التحذيرات ذهبت في مهب الرياح إذ أصبحت الفلبين “أرض نفايات دولة غنية”، خاصة للبلاستيك، وتايوان اكتسبت لقب “جزيرة القمامة”.
فقد ذكرت صحيفة “آسيا تايمز” في 27 ديسمبر 2018، ومقرها هونغ كونغ، أن اكتشاف أكثر من 5000 طن من النفايات الخطرة الكورية الجنوبية في جزيرة مينداناو الفليبينية “يمثل اتجاها متصاعدا من الإغراق الأجنبي غير القانوني” في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
اتجاه آسيا نحو الشرق
يعتبر الدافع الرئيسي للتحول الكبير نحو الشرق هو التكامل الإقليمي المتنامي في آسيا. فعلى سبيل المثال، 60 في المائة من المنتجات المتداولة في الاقتصادات الآسيوية تقع داخل نفس المنطقة، و74 في المائة من رحلات السفر تتم كذلك في ذات المنطقة.
يقول كين أكينتيوي، رئيس الديون السيادية في آسيا في مؤسسة “أبردين ستاندرد أنفستمنتس”، إن من أهم عوامل هذا التحول هو عدد السكان الكبير من ذوي الدخل سريع النمو إلى جانب التحضر الملحوظ في هذه الدول.