اقتصاد

المخاوف من الركود والتضخم يدفع شركات عالمية لموجة تسريح آلاف الموظفين 

(قنا) تواجه نسبة كبيرة من الشركات العالمية أزمات مالية واقتصادية وبنيوية متلاحقة، دفعت كبرى الشركات لموجات تخفيض في عدد المديرين وتسريح آلاف الموظفين، ضمن خططها لإعادة الهيكلة ووقف الخسائر، أو محاولة منها لاستعادة معدلات الأرباح السابقة التي تأثرت كثيرا بمرحلة فيروس كورونا وما زالت، أو وسط الخوف من مرحلة الركود وخصوصا في الولايات المتحدة.

وتتجلى مخاوف الدخول في موجة من التضخم، بقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، رفع سعر الفائدة القياسي مجددا يوم الأربعاء الأول من فبراير، بمقدار ربع نقطة مئوية ليتراوح بين 4.5 و4.75 بالمئة. غير أن تكرار رفع سعر الفائدة في الأشهر الأخيرة، لم ينجح كثيرا في طمأنة الأسواق واستقرارها، ولم يمنع موجات التقليص المستمرة منذ أشهر عديدة بحق العمال والموظفين في الشركات التكنولوجية على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة فيديكس لخدمات البريد والشحن الأمريكية مساء أمس الأربعاء اعتزامها خفض فريق المسؤولين والمديرين لديها بأكثر من 10 بالمئة مع دمج بعض الفرق والوظائف الأخرى. ويأتي خفض الوظائف في وقت تستهدف شركة التغليف والشحن العملاقة خفض النفقات لتناسب الطلب في ظل أوضاع العمل الأضعف من التوقعات.

كما لجأت “باي بال” وهي نظام الدفع عبر الإنترنت إلى تسريح نحو ألفي موظف قبل بضعة أيام، وستؤثر خطوة “باي بال” على قرابة 7 بالمائة من قوتها العاملة العالمية، مع تخفيضات محددة سيتم الكشف عنها في الأسابيع المقبلة، وفقا لمواقع إخبارية متخصصة. وتمثل “باي بال” أحدث عملاق تكنولوجي يخفض الوظائف في إطار موجة بدأت منذ نهاية العام المنصرم، وشملت شركات “مايكروسوفت” و”تويتر” وشركة “ميتا” الراعية لفيسبوك وشركة “ألفابت” الراعية لغوغل وعشرات الشركات الأخرى.

ورغم تصاعد نفوذ شركات التكنولوجيا حول العالم، وميول المؤشرات مطلع العام 2022 إلى تأكيد أن هذه القطاعات ستتنامى وتوظف عمالا أكثر بدلا من فصل آخرين، إلا أن قطاع التكنولوجيا تعرض لانتكاسات، وسط حمى التوجه التدريجي للاعتماد أكثر في المستقبل على الذكاء الاصطناعي.

وكانت أولى موجات التخفيض الفعلية الكبيرة قد بدأها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، بعد استحواذه على منصة تويتر، بقيمة 44 مليار دولار، عندما أمر بتسريح نحو نصف موظفي المنصة العالمية، البالغ عددهم 7500 موظف، فضلا عن تقليص نسبة المديرين التنفيذين وحجم الأقسام، في إطار تغيير كبير رسمه لمستقبل المنصة وطبيعة تفاعلها مع المستخدمين والشخصيات الرسمية والسياسية المشهورة، بعد أن طالت تويتر انتقادات كبيرة في الأعوام الأخيرة، أهمها التدخل في الخصوصيات والانحياز أحيانا.

وإذا كان هذا حال تويتر التي استقبلت إدارة جديدة، فإن الموجة سرت مثل النار في الهشيم وطالت شركات مستقرة إداريا، كشركة “ميتا” المملوكة لمارك زوكربيرغ والتي تدير تطبيقات “فيسبوك” و”واتساب” و”إنستغرام”، بقرارها الاستغناء عن أكثر من 11 ألف موظف، بما يعادل 13 بالمئة من الموظفين، وهي أكبر عمليات التسريح في العام 2022. ويقول الخبراء: إن شركة “ميتا” تعرضت لصدمات تسببت بانخفاض أرباحها نحو 52 بالمئة لتبلغ 4.4 مليار دولار في الربع الثالث من العام الفائت.

وشملت موجة تخفيضات العام الماضي شركة “ألفابت” المالكة لشركة “غوغل”، التي قررت التخلي عن نحو 12 ألف وظيفة على مستوى العالم استجابة لما سمته الواقع الاقتصادي المتغير. كما أعلنت شركة “مايكروسوفت” أنها ستستغني عن نحو 10 آلاف موظف في الأشهر المقبلة، وكذلك شركة “سناب شات” التي قللت نحو 20 بالمئة من قوتها العاملة، التي تتجاوز 6 آلاف موظف. مرورا بشركة “أمازون” التي أعلنت الاستغناء عن 18 ألف موظف.

ويعتقد المتخصصون في الاقتصاد الأمريكي أن عمليات التسريح في مجال التكنولوجيا، قد يكون لها تأثير مخيف، لأنها تحدث في الشركات ذات الأسماء العائلية التي شهدت نموا سريعا في الفترات الأخيرة، ما يلقي بظلاله على تعافي الاقتصاد بعد موجة كورونا، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية ، وهذا يعني أن التباطؤ بتلك الشركات سيؤدي إلى قلق الباحثين عن عمل، ويزيد من احتمالات الدخول في الركود الذي تلوح مؤشراته في الأفق، استعدادا لتكثيف رفع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم للحد من التضخم.

ودفعت المخاوف قطاعات أخرى للانضمام إلى قطاع التكنولوجيا، فقد أظهرت بيانات مؤسسة “أيه.دي.بي ريسيرش” الأمريكية الصادرة يوم الأربعاء، تباطؤ وتيرة التوظيف في الشركات الأمريكية خلال الشهر الماضي لأقل مستوياتها منذ عامين، بسبب الطقس العاصف في مناطق عديدة من الولايات المتحدة. بجانب ذلك، خفضت صناعات التعدين والتشييد الوظائف لديها. كما شهد قطاع الطيران والفضاء حملات تقليص ليست بالقليلة. وذكرت المؤسسة “أيه.دي.بي” أن القطاع الخاص الأمريكي وفر خلال الشهر الماضي 106 آلاف وظيفة جديدة، وجاء تراجع عدد الوظائف الجديدة نتيجة انخفاض التوظيف بشكل أساسي في الشركات التي تضم أقل من 50 موظفا.

ورغم هذه المؤشرات السلبية فثمة أرقام إيجابية، إذ وجد كثير من العمال الذين تم تسريحهم وظائف عند شركات أخرى، من نفس الاختصاص أو غيره. فقد كشف استطلاع شركة “زيب ريكروتر” أن نحو 4 من كل 10 موظفين متخصصين تم تسريحهم سابقا، بنسبة 37 في المئة، قد عثروا على وظائف بعد أقل من شهر من بدء البحث. بينما حصل حوالي 79 في المئة من الموظفين الذين تم إنهاء عملهم في شركات التكنولوجيا منتصف العام 2022، على وظيفة جديدة خلال 3 أشهر من بدء البحث، وبعضهم استغرق نحو 6 أشهر.

ولا تقتصر الأزمة على الولايات المتحدة فقط، فثمة مخاوف في أوروبا أبرزتها المفوضية الأوروبية في معرض الأفكار التي تناقشها للرد على قانون خفض التضخم الأمريكي المثير للجدل والبالغ قيمته 369 مليار دولار، وينص على ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في مجال حماية المناخ وقصر الإعانات والإعفاءات الضريبية على الشركات التي تستخدم منتجات أمريكية، أو الشركات التي تقوم بالإنتاج في الولايات المتحدة. وقد قوبل هذا القانون بكثير من الانتقاد في أوروبا حيث يتخوف الأوروبيون من حدوث أضرار لشركاتهم المحلية، وسط مؤشرات على الحاجة للعمالة الماهرة والموظفين التقنيين، رغم ارتفاع مستويات البطالة.

لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين تقول إن الاتحاد الأوروبي يتعين عليه استثمار مئات مليارات اليورو في التقنيات صديقة المناخ، وهو أمر يعتقد المستشار الألماني أولاف شولتس أنه إيجابي ومرحب به للغاية عندما ترغب الولايات المتحدة في دفع حماية المناخ والتقنيات صديقة المناخ قدما، لكن القضية تحتاج حوارا مع الأمريكيين، حتى لا تتعرض الشركات الأوروبية للإهمال بسبب قانون خفض التضخم، لأن الأسواق المفتوحة والمنافسة العادلة هي التي تعمل على توفير الابتكارات على حد وصف المستشار الألماني.

وكانت توقعات المفوضية تشير إلى أن ازدياد ضبابية الوضع وارتفاع التكاليف من المتوقع أن يدخلا منطقة اليورو ومعظم بلدان التكتل في ركود خلال الفصل الأخير من 2022، وأن يسجل معدل التضخم 8,5 بالمئة العام 2022، على أن يتراجع إلى 6,1 بالمئة في العام 2023.

ففي ألمانيا الدولة الاقتصادية الأكبر أوروبيا، أشارت توقعات خبراء معاهد اقتصادية بارزة إلى أن الاقتصاد الألماني سيمر بمرحلة نمو ضعيف تستمر على مدار سنوات. وعزا معهد “دي آي دبليو” ذلك بالدرجة الأولى إلى تراجع التوظيف بسبب الجغرافية البشرية ونقص الكوادر الفنية المتخصصة، والأخطاء الكبيرة على صعيد السياسة الاقتصادية.

وفي فرنسا، شهدت البلاد احتجاجات شارك فيها أكثر من مليون شخص قبل أسبوعين، ضد خطة الحكومة الفرنسية برفع سن التقاعد من 62 عاما حاليا إلى 64 عاما، ضمن حزمة إصلاحات رئيسية اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون لضمان التوازن المالي لنظام التأمين الاجتماعي في فرنسا، وصفتها بعض أحزاب المعارضة والنقابات البارزة بالجائرة والقاسية.

أما في بريطانيا، فقد بلغت المطالب برفع الأجور والتوظيف إلى الدعوة لإضراب عمالي وتعليمي واسع النطاق في العاشر من فبراير الجاري، سيكون هو الأكبر منذ أكثر من عشر سنوات، يتوقع أن ينضم له أكثر من 100 ألف معلم وأساتذة في الجامعات،وسائقو القطارات، وموظفو الخدمة المدنية، وسائقو الحافلات وحراس الأمن. وتركز الاحتجاجات اهتمامها على الوقوف ضد خطط الحكومة البريطانية المثيرة للجدل الخاصة بإصدار قانون جديد بشأن الحد الأدنى من مستويات الخدمة أثناء الإضرابات.

زر الذهاب إلى الأعلى